كان الشيخ محمد حسنين مخلوف واحدًا من كبار علماء الأزهر، نزح إلى القاهرة من بلدته "بني عدي" بصعيد مصر والتحق بالأزهر، يحدوه الأمل في أن ينال ما ناله أبناء بلدته الذين تعلموا بالأزهر، وتخرجوا فيه حاملين لواء إرشاد الناس وتوجيههم، مثل: الشيخ علي بن أحمد العدوي الذي جاور بالأزهر، وتفقه على مذهب المالكية، وجلس للتدريس بالأزهر، وكان قوي الشكيمة، يصدع بالحق، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويُذكر عنه أنه أول من ألّف الحواشي على شروح كتب الفقه المالكي.
ونبغ أيضًا من أبناء هذه البلدة الكريمة: أبو البركات الدردير العالم الزاهد والفقيه النابه، وصاحب المؤلفات العظيمة في الفقه والتوحيد والتصوف، والعالم اللغوي محمد قطة العدوي الذي قام بجهد مشكور في إخراج أمهات كتب التراث التي كانت تطبعها مطبعة بولاق.
وفي الأزهر سمت به همته إلى طلب العلم ومصاحبة العلماء وثابر على القراءة والتحصيل حتى استوى عالمًا يشار إليه، ومصلحًا يُعهد إليه بجلائل الأعمال، فتولى إنشاء المكتبة الأزهرية، وجمع لها الكتب المبعثرة في المساجد، وصنفها وفهرسها، وكان أول مفتش للعلوم بالأزهر والمعاهد الدينية، وأصغر الأعضاء في المجلس الأعلى للأزهر الذي يشرف على أعمال الأزهر ويتولى توجيهه ووضع سياساته، واختير وكيلاً للجامع الأزهر.
المولد والنشأة
في هذا الجو الثقافي المعطر بأريج الدين ولد حسنين محمد حسنين مخلوف في حي باب الفتوح بالقاهرة في (16 من رمضان 1307هـ = 6 من مايو 1890م)، وتعهده أبوه بالتربية والتعليم، فما إن بلغ السادسة حتى دفع به إلى من يحفّظه القرآن الكريم، وأتمه وهو في العاشرة على يد الشيخ محمد علي خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية.
وهيأه أبوه للالتحاق بالأزهر فحفّظه متون التجويد والقراءات والنحو، ثم التحق بالأزهر وهو في الحادية عشرة من عمره، وتلقى العلم على يد كبار شيوخ الأزهر، من أمثال الشيخ عبد الله دراز، ويوسف الدجوي، ومحمد بخيت المطيعي، وعلي إدريس، والبيجرمي، فضلاً عن والده الشيخ محمد حسنين مخلوف. ولما فتحت مدرسة القضاء الشرعي أبوابها لطلاب الأزهر، تقدم للالتحاق بها، وكانت تصطفي النابغين من المتقدمين بعد امتحان عسير لا يجتازه إلا الأكفاء المتقنون.
وتخرج بعد أربع سنوات حائزًا على عالمية مدرسة القضاء سنة (1332هـ = 1914م)، وبعد أن خاض امتحانًا قاسيًا أمام لجنة كان من بينها الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر، والشيخ بكري الصفدي مفتي الديار المصرية.
وكان الاختبار الشفوي النهائي يحضره شيخ الأزهر مع أربعة من كبار العلماء، وقد يمتد إلى ست ساعات للطالب الواحد، وقد تُرفع الجلسة بعد عناء لتستكمل عملها في الغد، ومن ثم كان لا يجتاز هذا الاختبار إلا الأذكياء من الطلبة القادرين على إقناع هذه اللجنة العظيمة بسعة تحصيلهم وغزارة علمهم في فنون مختلفة من العلم.
في القضاء
وبعد التخرج عمل الشيخ حسنين مخلوف بالتدريس في الأزهر لمدة عامين، ثم التحق بسلك القضاء قاضيًا شرعيًا في قنا سنة (1334هـ = 1916م)، ثم تنقل بين عدة محاكم في "ديروط" و"القاهرة" و"طنطا"، حتى عُيِّن رئيسًا لمحكمة الإسكندرية الكلية الشرعية سنة (1360هـ = 1941م) ثم رُقِّي رئيسًا للتفتيش الشرعي بوزارة العدل سنة (1360هـ = 1942م)، وفي أثناء توليه هذه الوظيفة المرموقة أسهم في المشروعات الإصلاحية، مثل إصلاح قانون المحاكم الشرعية، وقانون المجالس الحسبية.
ثم عُيِّن نائبًا لرئيس المحكمة العليا الشرعية سنة (1363هـ = 1944م)، حتى تولَّى منصب الإفتاء في (3 من ربيع الأول 1365هـ = 5 من يناير 1946م)، وظل في المنصب حتى (20 من رجب 1369هـ = 7 من مايو 1950م) عندما بلغ انتهاء مدة خدمته القانونية، فاشتغل بإلقاء الدروس في المسجد الحسيني إلى أن أُعيد مرة أخرى ليتولى منصب الإفتاء سنة (1371هـ = 1952م) واستمر فيه عامين.
وفي أثناء توليه منصب الإفتاء اختير لعضوية هيئة كبار العلماء سنة (1367هـ = 1948م) وبعد تركه منصب الإفتاء أصبح رئيسًا للجنة الفتوى بالأزهر الشريف لفترة طويلة، وكان عضوًا مؤسسًا لرابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية، وشارك في تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، واختير في مجلس القضاء الأعلى بالسعودية.
فتاوى الشيخ
كان الشيخ حسنين مخلوف مقصد الفتوى في مصر، والملجأ الصادق حين تدلهم بالناس المشكلات، فيجليها لهم في براعة وإخلاص، ملتزمًا بالشريعة الإسلامية لا يهاب أحدًا، ولا يخشى في الحق لومة لائم، وكانت أولى فتاواه وهو لا يزال طالبًا في مدرسة القضاء الشرعي حين دفع إليه أبوه برسالة وصلت إليه، يطلب مرسلها حكم الإسلام في الرفق بالحيوان، وطلب منه أن يكتب الرد بعد الرجوع إلى المصادر الشرعية، فعكف الطالب النابغة أسبوعين حتى أخرج رسالة مستوفاة، سُرّ بها الوالد، وبادر إلى طباعتها من فرط سعادته بابنه النابغ، وكان هذا التوفيق في الفتوى إرهاصًا لما سيكون عليه في مقبل الأيام من كونه مفتيًا فذًا وعالمًا كبيرًا.
وخاض الشيخ حربًا شعواء في فتاواه ضد الإلحاد والشيوعية قبل ثورة 1952م، وكان بمصر بعض المخدوعين الذين يظنون خيرًا في الشيوعية ويعدونها جنة للفقراء ومفتاحًا للرخاء، فلما صدع بالحق وأعلن أن الشيوعية بعيدة كل البعد عن الإسلام، اتهمه هؤلاء بشتى التهم الباطلة.
وبعد الثورة طُلب منه أن يعلن أن الإسلام اشتراكي، وأن الاشتراكية نابعة من صميم الإسلام، لكن الشيخ أبى، وأصر على أن الإسلام لا يعرف الاشتراكية بمعناها في الغرب، لكنه يعرف العدل والمساواة والتكافل بالمعنى الذي ورد في آيات الكتاب العزيز.
وجرّت عليه فتاواه الشرعية خصومة المعارضين له، وكانوا من ذوي الجاه والسلطان، فحاربوا الشيخ الجليل، وضيقوا عليه، وامتنعت الصحف عن نشر ما يكتبه صادعًا بالحق كاشفًا الزيف، ولم يكن له متنفس سوى مجلة الأزهر يجهر فيها بما يراه الحق الصحيح، حتى هاجر إلى السعودية، فوجد فيها ملاذًا آمنًا.
مؤلفاته
شغلت الشيخ أعماله في القضاء والدرس عن التأليف والتصنيف، واستهلكت فتاواه حياته، وهي ثروة فقهية ضخمة أحلته مكانة فقهية رفيعة، وقد جُمعت فتاواه التي أصدرها في أثناء توليه منصب الإفتاء، وما نشر في الصحف السيارة في مجلدين كبيرين.
غير أن للشيخ كتبًا وهي على وجازتها نافعة جدًا، لأنه وضعها حلاً لقضية أو بيانًا لمشكلة اجتماعية، فهي كتب عملية تأخذ بيد الناس وتبين لهم مبادئ دينهم في سماحة ويسر.
فحين رأى كثرة السائلين في أثناء دروسه عن بعض معاني الآيات القرآنية، وجد من اللازم أن يخص كتاب الله عز وجل بمؤلفين، أحدهما يختص ببيان معاني الكلمات القرآنية، وأطلق عليه "كلمات القرآن تفسير وبيان" وقد رزق الكتاب حظوة بالغة وتعددت طباعته، أما الآخر فهو أكثر اتساعًا وبيانًا لمعاني القرآن، وسمّاه "صفوة البيان لمعاني القرآن".
ولما رأى احتفاء الناس بذكرى الأربعين لوفاة الميت، كتب رسالة أوضح فيها أن هذا العمل بدعة مذمومة، لا أصل لها في الدين، وقد نُشرت هذه الرسالة بعنوان: "حكم الشريعة في مأتم ليلة الأربعين" تضمن ما يجب عمله شرعًا من أجل الموتى.
وهكذا جاءت معظم مؤلفاته التي وضعها خدمة للدين، وتبصيرًا للناس به، وإحياء للسنة، ومحاربة للبدع التي انتشرت في أوساط المسلمين.
ويحسن أن تستعرض أسماء بعض هذه المؤلفات، فمنها:
- أسماء الله الحسنى والآيات القرآنية الواردة فيها.
- أضواء من القرآن الكريم في فضل الطاعات وثمراتها وخطر المعاصي وعقوباتها.
- آداب تلاوة القرآن وسماعه.
- المواريث في الشريعة الإسلامية.
- شرح البيقونية في مصطلح الحديث.
وللشيخ جهود في تحقيق بعض الكتب، مثل:
- الحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثقى في علم الشريعة والطريقة والحقيقة لمحمد بن عمر الحريري.
- شرح الشفا في شمائل صاحب الاصطفا للملا علي القاري.
- هداية الراغب بشرح عمدة الطالب لعثمان بن أحمد النجدي.
تكريم الشيخ
كان الشيخ محل تقدير واحترام لسعة علمه وشدته في الحق، وعلى الرغم مما ألمّ به في مصر من بعض التضييق، فإن الدولة قبل الثورة وبعدها نظرت إليه بعين التقدير لجلائل أعماله في الدعوة والقضاء والإفتاء، فمُنح كسوة التشريفة العلمية مرتين: الأولى وهو رئيس لمحكمة طنطا، والأخرى وهو في منصب الإفتاء، كما نال جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة (1402هـ = 1982م)، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وامتد تكريمه إلى خارج البلاد، فنال جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام سنة (143هـ = 1983م).
وفاة الشيخ
طالت الحياة بالشيخ حتى تجاوز المائة عام، قضاها في خدمة دينه داخل مصر وخارجها، حيث امتدت رحلاته إلى كثير من البلاد العربية ليؤدي رسالة العلم، ويلقي دروسه، أو يفتي في مسائل دقيقة تُعرض عليه، أو يناقش بعض الأطروحات العلمية في الجامعات، وظل على هذا النحو حتى لقي ربه في (19 من رمضان 1410هـ = 15 من إبريل 1990م).
ونبغ أيضًا من أبناء هذه البلدة الكريمة: أبو البركات الدردير العالم الزاهد والفقيه النابه، وصاحب المؤلفات العظيمة في الفقه والتوحيد والتصوف، والعالم اللغوي محمد قطة العدوي الذي قام بجهد مشكور في إخراج أمهات كتب التراث التي كانت تطبعها مطبعة بولاق.
وفي الأزهر سمت به همته إلى طلب العلم ومصاحبة العلماء وثابر على القراءة والتحصيل حتى استوى عالمًا يشار إليه، ومصلحًا يُعهد إليه بجلائل الأعمال، فتولى إنشاء المكتبة الأزهرية، وجمع لها الكتب المبعثرة في المساجد، وصنفها وفهرسها، وكان أول مفتش للعلوم بالأزهر والمعاهد الدينية، وأصغر الأعضاء في المجلس الأعلى للأزهر الذي يشرف على أعمال الأزهر ويتولى توجيهه ووضع سياساته، واختير وكيلاً للجامع الأزهر.
المولد والنشأة
في هذا الجو الثقافي المعطر بأريج الدين ولد حسنين محمد حسنين مخلوف في حي باب الفتوح بالقاهرة في (16 من رمضان 1307هـ = 6 من مايو 1890م)، وتعهده أبوه بالتربية والتعليم، فما إن بلغ السادسة حتى دفع به إلى من يحفّظه القرآن الكريم، وأتمه وهو في العاشرة على يد الشيخ محمد علي خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية.
وهيأه أبوه للالتحاق بالأزهر فحفّظه متون التجويد والقراءات والنحو، ثم التحق بالأزهر وهو في الحادية عشرة من عمره، وتلقى العلم على يد كبار شيوخ الأزهر، من أمثال الشيخ عبد الله دراز، ويوسف الدجوي، ومحمد بخيت المطيعي، وعلي إدريس، والبيجرمي، فضلاً عن والده الشيخ محمد حسنين مخلوف. ولما فتحت مدرسة القضاء الشرعي أبوابها لطلاب الأزهر، تقدم للالتحاق بها، وكانت تصطفي النابغين من المتقدمين بعد امتحان عسير لا يجتازه إلا الأكفاء المتقنون.
وتخرج بعد أربع سنوات حائزًا على عالمية مدرسة القضاء سنة (1332هـ = 1914م)، وبعد أن خاض امتحانًا قاسيًا أمام لجنة كان من بينها الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر، والشيخ بكري الصفدي مفتي الديار المصرية.
وكان الاختبار الشفوي النهائي يحضره شيخ الأزهر مع أربعة من كبار العلماء، وقد يمتد إلى ست ساعات للطالب الواحد، وقد تُرفع الجلسة بعد عناء لتستكمل عملها في الغد، ومن ثم كان لا يجتاز هذا الاختبار إلا الأذكياء من الطلبة القادرين على إقناع هذه اللجنة العظيمة بسعة تحصيلهم وغزارة علمهم في فنون مختلفة من العلم.
في القضاء
وبعد التخرج عمل الشيخ حسنين مخلوف بالتدريس في الأزهر لمدة عامين، ثم التحق بسلك القضاء قاضيًا شرعيًا في قنا سنة (1334هـ = 1916م)، ثم تنقل بين عدة محاكم في "ديروط" و"القاهرة" و"طنطا"، حتى عُيِّن رئيسًا لمحكمة الإسكندرية الكلية الشرعية سنة (1360هـ = 1941م) ثم رُقِّي رئيسًا للتفتيش الشرعي بوزارة العدل سنة (1360هـ = 1942م)، وفي أثناء توليه هذه الوظيفة المرموقة أسهم في المشروعات الإصلاحية، مثل إصلاح قانون المحاكم الشرعية، وقانون المجالس الحسبية.
ثم عُيِّن نائبًا لرئيس المحكمة العليا الشرعية سنة (1363هـ = 1944م)، حتى تولَّى منصب الإفتاء في (3 من ربيع الأول 1365هـ = 5 من يناير 1946م)، وظل في المنصب حتى (20 من رجب 1369هـ = 7 من مايو 1950م) عندما بلغ انتهاء مدة خدمته القانونية، فاشتغل بإلقاء الدروس في المسجد الحسيني إلى أن أُعيد مرة أخرى ليتولى منصب الإفتاء سنة (1371هـ = 1952م) واستمر فيه عامين.
وفي أثناء توليه منصب الإفتاء اختير لعضوية هيئة كبار العلماء سنة (1367هـ = 1948م) وبعد تركه منصب الإفتاء أصبح رئيسًا للجنة الفتوى بالأزهر الشريف لفترة طويلة، وكان عضوًا مؤسسًا لرابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية، وشارك في تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، واختير في مجلس القضاء الأعلى بالسعودية.
فتاوى الشيخ
كان الشيخ حسنين مخلوف مقصد الفتوى في مصر، والملجأ الصادق حين تدلهم بالناس المشكلات، فيجليها لهم في براعة وإخلاص، ملتزمًا بالشريعة الإسلامية لا يهاب أحدًا، ولا يخشى في الحق لومة لائم، وكانت أولى فتاواه وهو لا يزال طالبًا في مدرسة القضاء الشرعي حين دفع إليه أبوه برسالة وصلت إليه، يطلب مرسلها حكم الإسلام في الرفق بالحيوان، وطلب منه أن يكتب الرد بعد الرجوع إلى المصادر الشرعية، فعكف الطالب النابغة أسبوعين حتى أخرج رسالة مستوفاة، سُرّ بها الوالد، وبادر إلى طباعتها من فرط سعادته بابنه النابغ، وكان هذا التوفيق في الفتوى إرهاصًا لما سيكون عليه في مقبل الأيام من كونه مفتيًا فذًا وعالمًا كبيرًا.
وخاض الشيخ حربًا شعواء في فتاواه ضد الإلحاد والشيوعية قبل ثورة 1952م، وكان بمصر بعض المخدوعين الذين يظنون خيرًا في الشيوعية ويعدونها جنة للفقراء ومفتاحًا للرخاء، فلما صدع بالحق وأعلن أن الشيوعية بعيدة كل البعد عن الإسلام، اتهمه هؤلاء بشتى التهم الباطلة.
وبعد الثورة طُلب منه أن يعلن أن الإسلام اشتراكي، وأن الاشتراكية نابعة من صميم الإسلام، لكن الشيخ أبى، وأصر على أن الإسلام لا يعرف الاشتراكية بمعناها في الغرب، لكنه يعرف العدل والمساواة والتكافل بالمعنى الذي ورد في آيات الكتاب العزيز.
وجرّت عليه فتاواه الشرعية خصومة المعارضين له، وكانوا من ذوي الجاه والسلطان، فحاربوا الشيخ الجليل، وضيقوا عليه، وامتنعت الصحف عن نشر ما يكتبه صادعًا بالحق كاشفًا الزيف، ولم يكن له متنفس سوى مجلة الأزهر يجهر فيها بما يراه الحق الصحيح، حتى هاجر إلى السعودية، فوجد فيها ملاذًا آمنًا.
مؤلفاته
شغلت الشيخ أعماله في القضاء والدرس عن التأليف والتصنيف، واستهلكت فتاواه حياته، وهي ثروة فقهية ضخمة أحلته مكانة فقهية رفيعة، وقد جُمعت فتاواه التي أصدرها في أثناء توليه منصب الإفتاء، وما نشر في الصحف السيارة في مجلدين كبيرين.
غير أن للشيخ كتبًا وهي على وجازتها نافعة جدًا، لأنه وضعها حلاً لقضية أو بيانًا لمشكلة اجتماعية، فهي كتب عملية تأخذ بيد الناس وتبين لهم مبادئ دينهم في سماحة ويسر.
فحين رأى كثرة السائلين في أثناء دروسه عن بعض معاني الآيات القرآنية، وجد من اللازم أن يخص كتاب الله عز وجل بمؤلفين، أحدهما يختص ببيان معاني الكلمات القرآنية، وأطلق عليه "كلمات القرآن تفسير وبيان" وقد رزق الكتاب حظوة بالغة وتعددت طباعته، أما الآخر فهو أكثر اتساعًا وبيانًا لمعاني القرآن، وسمّاه "صفوة البيان لمعاني القرآن".
ولما رأى احتفاء الناس بذكرى الأربعين لوفاة الميت، كتب رسالة أوضح فيها أن هذا العمل بدعة مذمومة، لا أصل لها في الدين، وقد نُشرت هذه الرسالة بعنوان: "حكم الشريعة في مأتم ليلة الأربعين" تضمن ما يجب عمله شرعًا من أجل الموتى.
وهكذا جاءت معظم مؤلفاته التي وضعها خدمة للدين، وتبصيرًا للناس به، وإحياء للسنة، ومحاربة للبدع التي انتشرت في أوساط المسلمين.
ويحسن أن تستعرض أسماء بعض هذه المؤلفات، فمنها:
- أسماء الله الحسنى والآيات القرآنية الواردة فيها.
- أضواء من القرآن الكريم في فضل الطاعات وثمراتها وخطر المعاصي وعقوباتها.
- آداب تلاوة القرآن وسماعه.
- المواريث في الشريعة الإسلامية.
- شرح البيقونية في مصطلح الحديث.
وللشيخ جهود في تحقيق بعض الكتب، مثل:
- الحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثقى في علم الشريعة والطريقة والحقيقة لمحمد بن عمر الحريري.
- شرح الشفا في شمائل صاحب الاصطفا للملا علي القاري.
- هداية الراغب بشرح عمدة الطالب لعثمان بن أحمد النجدي.
تكريم الشيخ
كان الشيخ محل تقدير واحترام لسعة علمه وشدته في الحق، وعلى الرغم مما ألمّ به في مصر من بعض التضييق، فإن الدولة قبل الثورة وبعدها نظرت إليه بعين التقدير لجلائل أعماله في الدعوة والقضاء والإفتاء، فمُنح كسوة التشريفة العلمية مرتين: الأولى وهو رئيس لمحكمة طنطا، والأخرى وهو في منصب الإفتاء، كما نال جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة (1402هـ = 1982م)، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وامتد تكريمه إلى خارج البلاد، فنال جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام سنة (143هـ = 1983م).
وفاة الشيخ
طالت الحياة بالشيخ حتى تجاوز المائة عام، قضاها في خدمة دينه داخل مصر وخارجها، حيث امتدت رحلاته إلى كثير من البلاد العربية ليؤدي رسالة العلم، ويلقي دروسه، أو يفتي في مسائل دقيقة تُعرض عليه، أو يناقش بعض الأطروحات العلمية في الجامعات، وظل على هذا النحو حتى لقي ربه في (19 من رمضان 1410هـ = 15 من إبريل 1990م).