الجامع الأزهر
الجامع الأزهر .. أهم المساجد فى مصر وأشهرها فى العالم الأسلامى.
يكاد أن يكون الجامع الأول في العالم الذي لعب أدواراً دينية وتعليمية وثقافية وسياسية ومعمارية.
إذ يبرز دوره الديني في أداء الصلاة والعبادات ودوره التعليمي يتمثل في
دراسة اللغة العربية والعلوم الاسلامية، ودوره السياسى فى مواقفه المشهودة
في التصدي لظلم الحكام وتحريك الثورات ضد المحتل الأجنبى. كما لعب دوراً
ثقافياً وفكرياً من مناقشات ومداولات وإلقاء الخطب. أما دوره المعماري
فيبدو واضحا في التطورات المعمارية في عصور الولاة والسلاطين والملوك
والرؤساء. لذا ظل الأزهر منارة دينية وتعليمية وثقافية للمسلمين.
إنه الأزهر الذي تغني به أمير الشعراء أحمد شوقي قائلاً:
قم في فم الدنيا وحيي الأزهرا وانثر على سمع الزمان الجوهرا.
متى تم إنشائه
عندما قدم القائد جوهر الصقلي إلى مصر عام 358هـ/969م من قبل الخليفة
الفاطمي المعز لدين الله الفاطمي لفتحها تم له ذلك دون أي عناء لينهي بذلك
عصر الدولة الطولونية ويبدأ عصر الدولة الفاطمية، وإذا كان جامع عمرو بن
العاص هو أول جامع بني بمصر الإسلامية فإن الجامع الأزهر هو رابع الجوامع
التي بنيت بها.
فمصر عرفت قبل الأزهر ثلاثة مساجد جامعة هي: جامع عمرو بن العاص في
الفسطاط سنة 21هـ/ 641م، وجامع العسكر في مدينة العسكر سنة 133هـ/ 750م
وجامع أحمد بن طولون في مدينة القطائع سنة 265هـ/ 879م.
وقد شرع جوهر الصقلي فى بناء هذا الجامع مع القصور الفاطمية بمدينة
القاهرة ليصلي فيه الخليفة وليكون مركزاً للدعوة لنشر المذهب الشيعي بمصر
فبدأ البناء به سنة 359هـ/970م بناء الجامع عامين وأقيمت أول جمعة به سنة
361 هـ/973م وعرف بجامع القاهرة.
موقعه
وكان الأزهر أول مسجد جامع أنشئ في مدينة القاهرة رابع عواصم مصر
الإسلامية ويقع بين مكانين يزخران بالآثار الإسلامية، الدرب الأحمر
والجمالية، ومن الآثار القريبة منه التي يمكن زيارتها المشهد الحسيني
ومسجد محمد أبي الذهب ووكالة بازرعة ووكالة الغوري وحوض قايتباي ومدرسة
العيني ومنزل زينب خاتون ومسجد عبدالرحمن كتخدا وبيت الهراوي ومنزل ووقف
الست وسيلة وسبيل أبي الإقبال وزاوية أحمد شعبان ووكالة الصناديقية لترى
عراقة العمارة القديمة. ويعد المسجد خير مآثر لمعالم المدينة الفاطمية في
أوائل القرن العاشر الميلادي.
تسميته
لم يكن يُعرف منذ إنشائه بالجامع الأزهر، وإنما أطلق عليه اسم جامع
القاهرة، وظلت هذه التسمية غالبة عليه معظم سنوات الحكم الفاطمي، ثم توارى
هذا الاسم واستأثر اسم الأزهر بالمسجد فأصبح يعرف بالجامع الأزهر، وظلت
هذه التسمية إلى وقتنا الحاضر.
وتسمية الجامع الأزهر اختلفت حولها الآراء وإن كان أبرزها أن الفاطميين
أطلقوا عليه اسم الأزهر تيمناً ونسبة إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد
(ص) كما أطلقوا على قصورهم القصور الزاهرة.. وسمي الجامع الأزهر لأنه يكبر
الجوامع الأخرى حجماً.. والبعض قال إن تسميته جاءت تفاؤلاً بما سيكون عليه
من شأن وازدهار العلوم فيه.
وصف الجامع
الطراز المعماري للجامع الأزهر مميز بمساحته التي تحتل 12 ألف متر مربع
وهندسة البناء، و للجامع ثمانية أبواب، الجانب الغربي المطل على ميدان
الأزهر باب المزينين والباب العباسي (نسبة إلى الخديوي عباس حلمي الثاني)
وفي الجانب الجنوبي توجد أبواب المغاربة والشوام والصعايدة.. أما الجانب
الشمالي فتوجد الجوهرية والشرقي باب الحرمين والشورية.. وله من المآذن
خمس، ثلاث منها داخل باب المزينين منهما مئذنة الأقبغاوية ومئذنة قنصوة
الغوري، كما توجد مئذنة رابعة بجانب باب الصعايدة ومئذنة خامسة بباب
الشورية.
ينقسم الأزهر إلى رواقين، الرواق الكبير القديم ويلي الصحن ليمتد من باب
الشوام إلى رواق الشراقوة.. أما الرواق الجديد والذي أنشأه عبدالرحمن
كتخدا فيظهر بعد الرواق القديم ويرتفع عنه نصف ذراع.. كان للجامع عشرة
محاريب تبقّى منها ستة ومنبر واحد. وبالمسجد أكثر من 380 عمودًا من الرخام
الجميل جلبت تيجانها من المعابد المصرية القديمة وترتكز بعض «البكيات» على
أعمدة رخامية بيضاء وعلى أكتاف وعقود.
التاريخ المعماري للجامع
مع تعاقب الحكام على حكم مصر ظل الجامع الأزهر موضع رعاية ملوكها
وسلاطينها وأمرائها، مما نجم عنه تغيير أكثر معالمه الفاطمية. حتى أصبح
بوضعه الحالي حصيلة إضافات من العمران ضمت إليه في أزمان متتابعة.
كانت مساحته وقت إنشائه تقترب من نصف مساحته الآن. وكان عبارة عن صحن تطل
عليه ثلاثة أروقة، أكبرها رواق القبلة. ثم أضيفت له مجموعة من الأروقة
ومدارس ومحاريب ومآذن، غيرت من معالمه, عما كان عليه من قبل.
لم تمضي فترة على إنشاء الجامع حتى قام "العزيز بالله بن المعز" بإجراء أعمال تكميلية به
وفي سنة 400هـ/1009م جدده "الحاكم بأمر الله الفاطمي" وأوقف عليه عدة أوقاف،
كما قام الخليفة "الآمر بأحكام الله" بعمل محراب للجامع من الخشب يعلوه كتابة بالخط الكوفي
كما قام الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله. " فى الفترة من سنة 524 إلى
سنة 544هـ/1129–1149 بزيادة مساحة الأروقة, وأقام قبة جصية منقوشة نقشا
بارزا
وفي العصر المملوكي عنى السلاطين المماليك به, بعدما كان مغلقا في العصر
الأيوبي لمحاربة المذهب الشيعى فى مصر. فنجد أن الأمير "عز الدين أيدمر"
استأذن السلطان الظاهر بيبرس البندقداري سنة 665هـ/1266م فى عمارته فأذن
له وقام بتجديد الجامع وإصلاحه بعد أن أصابه الإهمال. واحتفل فيه بإقامة
صلاة الجمعة في يوم 18 ربيع الأول سنة 665 هـ/19 من نوفمبر 1266م
و في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون,
أنشأ الأمير علاء الدين طيبرس أمير الجيوش المدرسة الطيبرسية سنة (709هـ -
1309م)، وألحقها بالجامع الأزهر. وأنشأ الأمير علاء الدين آقبغا سنة 740
هـ/1340م المدرسة الأقبغاوية على يسار باب المزينين (الباب الرئيسي للجامع
)وبها محراب بديع، و منارة رشيقة.
وأقام الأمير جوهر القنقبائي خازندار السلطان المملوكي الأشرف برسباي
المدرسة الجوهرية في الطرف الشرقي من الجامع. وتضم أربعة إيوانات. أكبرها
الإيوان الشرقي وبه محراب دقيق الصنع، وتعلو المدرسة قبة منقوشة.
إلا أن أهم عمارة كانت بالجامع هي التي قام بها السلطان قايتباي خلال
سنوات حكمه بدأت بهدم الباب بالجهة الشمالية الغربية للجامع. وأقام على
يمينه سنة 873 هـ/1468م مئذنة رشيقة من أجمل مآذن القاهرة،
ثم قام السلطان المملوكي قانصوه الغوري ببناء المئذنة ذات الرأسين، وهي
أعلى مآذن الأزهر. و تعتبر طرازا فريدا من المآذن بالعمارة المملوكية.
أما فى العصر العثماني فنجد أن ولاة مصر فى ذلك الوقت قاموا بعدة أعمال به
وأوقفوا له عدة أوقاف وأقاموا به عدة أروقة وزوايا منها الرواق الحنفية
وزاوية العميان ورواق الأتراك ورواق السليمانية ورواق الشوام.
إلا أن أكبر عمارة حدثت للجامع كانت فى عصر "عبد الرحمن كتخدا" سنة
1167هـ/ 1753م حيث زادت مساحة الجامع مساحة كبيرة كما أنشأ به قبة وعمل به
عدة أعمال كان منها عمل باب المزينين وهو الباب الرئيسي للجامع حالي
أيضا فى عصر محمد على باشا وأسرته تم عمل عدة تجديدات وإصلاحات بالجامع.
أكبرها في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني حيث أمر بإنشاء مكتبة للأزهر
الشريف أودعت بها نفائس الكتب والمخطوطات العربية والإسلامية, كما جددت
المدرسة الطيبرسية في شوال 1315 هـ/1897م. وأنشأ رواقًا جديدًا يسمي
بالرواق العباسي نسبة إليه، وهو أكبر الأروقة.
الأزهر فى تاريخ مصر
فى العصر الفاطمى والأيوبى
بدايته كانت فى العصر الفاطمى كمركز لتغيير المذهب السنى لأهل مصر ونشر
التشيع الفاطمى فجعله الخليفة العزيز بالله جامعة يدرس فيها العلوم
الباطنية الإسماعيلية للدارسين من إفريقيا وآسيا. وكانت الدراسة بالمجان.
وأوقف الفاطميون عليه الأحباس للإنفاق منها.
فى العصر الأيوبى وبعدما تولي صلاح الدين سلطنة مصر جعله جامعا سنياً ليعود المذهب السنى فى مصر.
الأزهر والمماليك
كان للأزهر مواقفه المشهودة في التصدي لظلم الحكام والسلاطين المماليك لأن علماءه كانوا أهل الحل والعقد أيام المماليك.
وفي سنة 1209هـ/1795م، يروي الجبرتي في يومياته بأن أمراء مماليك إعتدوا
على بعض فلاحي مدينة بلبيس فحضر وفد منهم إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي
وكان شيخا للأزهر وقتها. وقدموا شكواهم له ليرفع عنهم الظلم. فغضب وتوجه
إلى الأزهر, وجمع المشايخ. وأغلقوا أبواب الجامع. وأمروا الناس بترك
الأسواق والمتاجر. واحتشدت الجموع الغاضبة من الشعب. فأرسل إبراهيم بك شيخ
البلد لهم أيوب بك الدفتردار، فسألهم عن أمرهم. فقالوا: نريد العدل ورفع
الظلم والجور وإقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوسات (الضرائب)، وخشي زعيم
الأمراء مغبة الثورة فأرسل إلى علماء الأزهر يبرىء نفسه من تبعة الظلم،
ويلقيها على كاهل شريكه مراد بك. وأرسل في الوقت نفسه إلى مراد يحذره
عاقبة الثورة. فاستسلم مراد بك ورد ما اغتصبه من أموال، وأرضى نفوس
المظلومين. لكن العلماء طالبوا بوضع نظام يمنع الظلم ويرد العدوان. و
اجتمع الأمراء مع العلماء. وكان من بينهم الشيخ السادات والسيد عمر مكرم
والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الأمير. و أعلن الظالمون أنهم تابوا
والتزموا بما اشترطه عليهم العلماء. وأعلنوا أنهم سيبطلون المظالم
والضرائب والكف عن سلب أموال الناس والإلتزام بإرسال صرة مال أوقاف
الحرمين الشريفين والعوائد المقررة إليهم وكانوا ينهبونها. وكان قاضي
القضاة حاضراً. فكتب على الأمراء وثيقة أمضاها الوالي العثماني وإبراهيم
بك ومراد بك شيخا البلد.
الأزهر والاحتلال الفرنسي لمصر
وكان للأزهر صفحة مجيدة في مقارعة الاستعمار الفرنسى فعندما غزا الفرنسيون
مصر بقيادة نابوليون بونابرت عام 1798م أشعل علماء الأزهر الثورة ضدهم من
داخل الأزهر الشريف وتزعموا مقاومة الاحتلال
وأشعلوا ثورتي القاهرة الأولى حيث الف الأزهر لجنة لتنظيم الثورة ضد
الفرنسيين وقامت هذه الثورة بالقاهرة فى اكتوبر عام 1798م , واحتشدت
الجموع فى الأزهر ينادون بالجهاد ضد الفرنسيين , وهاجموا الفرنسيين
ومعسكراتهم وقتلوا الجنرال ديبوى حاكم القاهرة فأخذ الفرنسيون يطلقون
النار على الثوار فى الشوارع وتدفقت الجماهير إلى الأزهر واحتشد فيه
مايزيد على ألف مواطن , وأقاموا المتاريس فى الطرق والأزقة
و دخلت قوات نابليون بالخيول صحن الأزهر. وألقت بالمصاحف وعاثت فيه
إفسادا. وضرب الجامع بالمدافع من فوق القلعة وأغلق الفرنسيون الأزهر
وشردوا من فيه. وكانت هذه الواقعة قد عجلت بإنسحاب الفرنسيين من مصر حيث
أندلعت بعد ذلك ثورة القاهرة الثانية.
وقدّم الأزهر وقتها عدداً من الشهداء كما أقدمت قيادة الحملة على إعدام
لفيف من علمائه وطلابه ولاسيما بعد مقتل الجنرال كليبر على يد سليمان
الحلبي (أحد طلاب الأزهر ). وكان من أبرز من قاد الثورة وقتها من شيوخ
الأزهر الشيخ عمر مكرم والشيخ السادات والشيخ الشرقاوى.
وفي عام 1805م استطاع علماء الأزهر أن يفرضوا على الخليفة العثماني الوالي
محمد على باشا ليكون واليا علي إيالة مصر العثمانية, بعد أن أخذوا عليه
المواثيق والعهود بأن يقيم العدل بين الرعية.
الأزهر والاحتلال البريطانى
اشترك الأزهر في الثورة العرابية سنة 1881- 1882م لمقاومة التدخل الإنكليزي وكان أحمد عرابي ممن درسوا في الأزهر.
وبعد الأحتلال البريطانى لمصر كان لشيوخ الأزهر دور كبير فى إشعال الروح
الوطنية ضد المحتل الانجليزى وكان من أبرز هؤلاء الشيخ محمد عبده.
وعندما بدأت ثورات الشعب المصرى . حاول المحتل الانجليزى زرع الفتنة
الطائفية بين المسلمي والاقباط فى مصر. فكان الأزهر الأزهر صمام الأمان
الذى فطن لمحاولات المحتل وتبادل شيوخ الأزهر والقساوسة الاقباط الزيارة
والخطابة فى الأزهر والكنائس ضد المحتل الأنجليزى.
وفي ثورة 1919م أذكى الأزهر روح الثورة ضد الاستعمار البريطاني. وكان
الأزهر معقلاً للحركة الوطنية تنطلق منه جماهير الشعب، حتى إن المندوب
السامي البريطاني طلب إلى شيخ الأزهر أبي الفضل الجيزاوي إغلاق الأزهر
ولكن الجيزاوي رفض وبقي الأزهر يتحدى السلطات الاستعمارية.
وحاول الأنجليز كثيرا منذ بداية الأحتلال القضاء على الأزهر كمركز للاسلام
فى مصر ومن أبرز تلك المحاولات ما فعله اللورد كرومر المعتمد البريطانى فى
مصر من تعديل لنظام التعليم فى مصر وسحب الامتيازات من الدارسين فى الأزهر
ومنح الكثير من الأمتيازات لنظام التعليم المدنى – وللأسف ما يزال ذلك
النظام مستمر حتى الأن – .
حتى الجامع نفسه لم يسلم من التخريب والسرقة من المحتل الانجليزى فقاموا
بسرقة المنبر الأصلى والتاريخى للجامع وما يزال حتى الأن موجود فى أحد
المتاحف البريطانية.
الأزهر والعدوان الثلاثى سنة 1956
عندما غزا التحالف الفرنسى البريطانى الاسرائلى مصر سنة 1956 كان هدفهم
الأساسى إصابة المصريين بالصدمة والخوف ودفعهم للأستسلام . فذهب الرئيس
جمال عبد الناصر للخطابة من فوق منبر الأزهر كرمز تاريخى وخطب خطبته
التاريخية التى كانت علامة فاصلة فى الأحداث وقتها ليعلن عدم أستسلام مصر
ووقوفها صامدة مقاومة ضد العدوان الثلاثى.
أيضا كان للمسجد دوره الأساسى بعد هزيمة 1967 . إذ قام شيوخ الأزهر
بالخطابة واشعال الروح المعنوية بين الجنود المصريين على الجبهة طوال 6
سنوات مما كان له الأثر الكبير فى أنتصار الجيش المصرى فى أكتوبر 1973.
دور الأزهر فى الحفاظ على اللغة العربية
للأزهر فضل كبير في الحفاظ علي التراث العربي بعد سقوط الخلافة العباسية
في بغداد وعلى اللغة العربية من التتريك واللغة التركية أيام الحكم
العثماني لمصر سنة 1517م وأيام محمد علي باشا سنة 1805. فظل دائماً جامع
وجامعة يأتى إليه الطلاب من سائر الدول العربية.
الأزهر جامع وجامعة
شهد الأزهر أول حلقة درس تعليمي عندما جلس قاضي القضاة أبو الحسن علي بن
النعمان في (صفر 365 هـ/أكتوبر 975م) ليقرأ مختصر أبيه في فقه آل البيت.
ثم قام الوزير يعقوب بن كلس الفاطمي بتعيين جماعة من الفقهاء للتدريس و
أجري عليهم رواتب مجزية، وأ قام لهم دوراً للسكن بجوار المسجد. وكان يطلق
عليهم المجاورون وبهذا اكتسب الأزهر لأول مرة صفته العلمية بإعتباره
معهداً للدراسة المنظمة.
وظل الأزهر علي هذا المنوال من تدريس الفقه الشيعي وتعليم وتأهيل
دعاة مذهب الفاطميين. حتي توقفت الدراسة به تماما في العصر الأيوبي لأن
الأيوبيين كانوا يعملون على إلغاء المذهب الشيعي، وتقوية المذهب السني
بإنشاء مدارس لتدريس الحديث والفقه كما كان متبعا في جامع عمرو بن العاص
فى السابق.
و قل الإقبال على الأزهر فى العصر الأيوبى. لكنه استرد مكانته في العصر
المملوكي بعدما أصبح تدرس فيه الفقه والمذاهب السنية فقط. فشهد إقبالا
وازدحم بالعلماء والدارسين، وبحلقات العلم التي كانت تضم العلوم الشرعية
واللغوية من فقه و حديث وآداب وتوحيد ومنطق وعلم الكلام. وعلم الهيئة
والفلك والرياضيات كالحساب والجبر والهندسة.
وكان الطالب يلتحق بالأزهر بعد أن يتعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب
وحفظ القرآن دون التزام بسن معينة ليتردد على حلقات العلماء ويختار ما
يريد من العلماء القائمين على التدريس. وكان الطالب غير ملتزم بالانتظام
في الدراسة؛ فقد ينقطع عنها لفترة ثم يعاودها. ولم تكن هناك لوائح تنظيمية
تنظم سير العمل أو تحدد المناهج والفرق الدراسية وسنوات الدراسة. والطالب
لو أصبح مؤهلا للتدريس والجلوس موقع الشيوخ استأذنهم وقعد للدرس. فإذا لم
يجد فيه الطلاب ما يرغبون من علم، انفضوا عنه وتركوا حلقته، أما إذا
التفوا حوله، ولزموا درسه، ووثقوا فيه، فتلك شهادة بصلاحيته للتدريس.
بعدها يجيزه شيخ الأزهر. فيحصل علي شهادة الإجازة في التدريس.
وظل هذا النظام السابق متبعا حتى الخديوي إسماعيل عندما أصدر أول قانون
للأزهر سنة (1288 هـ/1872م) لتنظيم حصول الطلاب على الشهادة العالمية،
وحدد المواد التي يمتحن فيها الطالب بإحدى عشرة مادة دراسية شملت الفقه
والأصول والحديث والتفسير والتوحيد والنحو والصرف والمعاني والبيان
والبديع والمنطق. و طريقة الامتحان بأن يقوم الطالب بالجلوس فوق أريكة
المدرس، والممتحنون أعضاء اللجنة يتحلقون حوله في وضع الطلبة. فيلقي
الطالب درسه. ويقوم الشيوخ بمناقشته في مختلف فروع العلم. وقد يستمر
الامتحان لساعات طويلة لا تقطعها اللجنة إلا لتناول طعام أو لأداء الصلاة.
حتى إذا اطمأنت من تمكن وتاهيل وحفظ الطالب أجازته وأعطته درجات لتحديد
مستواه. فالدرجة الأولى تمنح للطالب الذي يجتاز جميع المواد أو معظمها،
والدرجة الثانية للذي يقل مستواه العلمي عن صاحب الدرجة الأولى، ولا يسمح
له إلا بتدريس الكتب المتوسطة، أما الدرجة الثالثة فحاملها لا يُسمح له
إلا تدريس الكتب الصغيرة للمبتدئين. ومن كان يرسب في الامتحان فكان يمكنه
إعادة الإمتحان مرة أخرى أو أكثر دون التزام بعدد من المحاولات. ويحق لمن
حصل على الدرجة الثانية أو الثالثة أن يتقدم مرة أخرى للحصول على الدرجة
الأعلى.
في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني صدر قانون سنة (1314 هـ/1896م) لتطوير
الأزهر. وقد حدد القانون سن قبول التلاميذ بخمسة عشر عاما مع ضرورة معرفة
القراءة والكتابة، وحفظ القرآن وحدد المقررات التي تُدرس بالأزهر مع إضافة
طائفة جديدة من المواد تشمل الأخلاق ومصطلح الحديث والحساب والجبر والعروض
والقافية والتاريخ الإسلامي والإنشاء ومتن اللغة ومبادئ الهندسة وتقويم
البلدان. وأنشأ هذا القانون شهادة تسمى "الأهلية" يتقدم إليها من قضى
بالأزهر ثماني سنوات ويحق لحاملها شغل وظائف الإمامة والخطابة بالمساجد،
وشهادة أخرى تسمى "العالمية"، ويتقدم إليها من قضى بالأزهر اثني عشر عاماً
على الأقل، ويكون من حق الحاصلين عليها التدريس بالأزهر.
وصدر المرسوم الملكي رقم 26 لسنة 1936م بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات
التي يشملها للقيام على حفظ الشريعة الإسلامية وأصولها وفروعها واللغة
العربية وعلى نشرها, وتخريج علماء يوكل إليهم تعليم علوم الدين واللغة
بالمعاهد والمدارس. وحدد المرسوم اختصاص هيئة كبار العلماء وقصر كليات
الأزهر على ثلاث هي: كلية الشريعة و كلية أصول الدين و كلية اللغة
العربية. كما حدد دور المعاهد الأزهرية في تزويد الطلاب بثقافة عامة في
الدين واللغة، وإعدادهم لدخول كليات الأزهر دون غيرها.
الأزهر الأن
اصدر الرئيس جمال عبد الناصر القانون رقم 103 لسنة 1961م بشأن إعادة تنظيم
الأزهر والهيئات التابعة له. فنص: الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية
الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل
أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب،.....
وتخريج علماء عاملين متفقهين في الدين، يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة
بالنفس وقوة الروح، كفاية علمية وعملية ومهنية لتأكيد الصلة بين الدين
والحياة....
وأوضحت المادة الثانية من القانون رقم 103 لسنة 1961م ملامح الأزهر الجديد،.....
و نصت على: يرأس الأزهر الشريف الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر. وقد وضع
القانون المشار إليه اختصاصات شيخ الأزهر فنصت المادة (4) على الآتي: شيخ
الأزهر الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية
والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل
بالدراسات الإسلامية في الأزهر وهيئاته، ويرأس المجلس الأعلى للأزهر".
ويندمج الجامع الأزهر الأن تحت أسم (هيئات الأزهر) وهى :
1. المجلس الأعلى للأزهر
2. مجمع البحوث الإسلامية
3. قطاع المعاهد الأزهرية
4. جامعة الأزهر
شيوخ الأزهر
كان النظام المتبع أن ينتخب من بين كبار العلماء ناظر يشرف على شئونه منذ
إنشائه إلى آخر القرن الحادي عشر الهجري والسابع عشر الميلادى. فقد أنشىء
وقتها منصب شيخ الجامع الأزهر في عهد الحكم العثماني ليتولى رئاسة علمائه،
ويشرف على شئونه الإدارية، ويحافظ على الأمن والنظام بالأزهر. وتولى
المنصب منذ أستحداثه حتى الأن 47 شيخ أزهرى.