ضباط 'أمن الدولة' خرجوا مقيدين في حراسة الجيش
أحمد الخضري - محمد العزازي
الصدفة قادتنا إلي المرور أمام مقر أمن الدولة في أكتوبر.. كنا نمر يوميا من أمام قلعة أمن الدولة في طريق المحور ودون أن ندري كانت تزيد سرعة السيارة خوفة ورهبة من المبني ولم نكن نحلم في يوم من الأيام أن ندخل هذا المبني زائرين.. مئات السيارات الواقفة أمام أمن الدولة كانت كفيلة وحدها لتكون دافعاً للجماهير للوقوف والسؤال: 'هو في أيه؟' وعلي طريقة التجمهر في فيلم 'هي فوضي'، لجأ أكثر من 3 آلاف من المواطنين إلي استخدام حق "التظاهر" ضد أمن الدولة للمطالبة بالقصاص.
المشهد أمام مدخل أمن الدولة كان ولا في الأحلام وكأننا نشاهد فيلماً هندياً.. المستندات والأوراق السرية كانت تتناقل بين المئات من أبناء الشعب الواقفين في ذهول.. مثلا وقع تحت أيدينا مستند 'سري جدا ' الموضوع: حول متابعة الحالة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة من الرائد تامر يوسف ويحمل توصية بضرورة تحجيم النشاط الإخواني في انتخابات اتحاد الطلبة.. ونحتفظ بأوراق أخري وأخطر عن علاقة الأقباط والمسلمين وتدخل الجهاز فيها بشكل سافر.
المشهد في الحديقة المواجهة للمبني كان صورة كربونية مصغرة لميدان التحري.. الحشود تزداد وتتضاعف بمرور الوقت الموجودون علي كل شكل ولون والغالبية بالجلباب والذقن والنساء المنتقبات وهناك من جاء بأسرته من باب الفرجة والتقاط الصور التذكارية.. وشاهدنا بعض الشباب يلعب مباراة كرة القدم وبسؤالهم كانت الإجابة 'يكفينا فخرا أنه جاء اليوم الذي نلعب كرة في عقر دار أمن الدولة'.
علي الباب الرئيس كانت تقف بعض الدبابات وسيارات الشرطة العسكرية ولكنها كانت غير كافية لمواجهة الطوفان البشري الذي يزداد كل لحظة ونجح في محاصرة المبني بالكامل وبدأت المطالبة بإخراج ضباط وأفراد الأمن الموجودين للقصاص منهم بأنفسهم.. والغريب أن أي محاولة لتهدئة الثائرين كانت تقابل برد فعل عنيف واتهام سريع بالتخوين.. فجأة سمعنا الأصوات تتعالي 'الله أكبر' وكان السبب اكتشاف محاولة هروب لأحد الضباط من الباب الخلفي ولكم أن تتخيلوا الموقف.. الضابط يتلقي الضرب من المئات الموجودين بالأيدي والأرجل إلي أن جاء الجيش وأطلق بعض الأعيرة النارية وتسلم الضابط.
وبطريقة أو أخري نجحنا في الدخول إلي المبني وتجولنا في المكان بحرية شديدة واكتشفنا أن المبني يوجد به ثلاثة أدوار تحت الأرض أغلبها زنازين.. أما مكاتب الضباط فبدون مبالغة 'خمس نجوم' وشاهدنا بعض المتظاهرين يمسحون المكان للبحث عن معتقلين دون جدوي والبعض يخرج بدل رقص من مكاتب الضباط وكانت المفاجأة في تواجد عدد كبير من سيارات ضباط أمن الدولة الذين لم يستطيعوا الفرار وتحولوا إلي 'مساجين' داخل دولتهم الخاصة التي كانوا أسيادها حتي أسابيع قليلة وتجولنا في المبني رغم الأخطار وسماع طلقات الرصاص من حولنا وشاهدنا ضباط أمن الدولة وهم وهم مقيدون في أيدي القوات المسلحة كالفئران المذعورة ويخضعون للمساءلة من قبل النيابة العسكرية التي حضرت للتحقيق في واقعة فرم وحرق المستندات والأوراق.. بعدها بدقائق نجح المتظاهرون في اقتحام المبني وتسلق الأسوار وحاولوا التقدم أكثر للفتك بضباط أمن الدولة وظل الوضع صعبا ومعقدا لأكثر من 4 ساعات لمحاولة إنهاء الموقف وتهدئة المتظاهرين ولم ينته السيناريو إلا بعد استخدام قوات الجيش الرصاص لتفريق المتظاهرين وإحضار سيارة مصفحة لإخراج ضباط أمن الدولة في مشهد دراماتيكي أقل ما يوصف به أنه ولا في الأحلام.
تحدثنا مع الدكتور يحيي القزاز أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان والناشط السياسي عندما سمعت عن اقتحام مبني مباحث أمن الدولة بالشيخ زايد وأبلغني البعض أنهم وجدوا ملفات ومستندات مهمة ذهبت إلي هناك ففوجئت بالمبني الذي يشبه المعبد الفرعوني.. فهو مبني علي غرار معبد الكرنك بل أشبه بقصر من قصور ألف ليلة وليلة.. لمست في عيون المتظاهرين فرحة عارمة فها هم داخل مبني الجهاز الذي عذب وقمع.
ويضيف: المثير أن البعض وجد ملابس نسائية وبدل رقص تدل '!!' في المقابل اختفي ضباط أمن الدولة داخل غرفهم وتحصنوا بها شاهرين أسلحتهم تحسباً لأي هجوم.. فها هم أسود أمن الدولة يتوارون خوفاً من غضب الجماهير.
وبعد جولة داخل المبني قام الجيش بالقبض علي الضباط وأدخلهم العربات المصفحة بسرعة كبيرة حتي لا يفتك الناس بهم.. في الوقت الذي رفض المتظاهرون ترك المبني خوفاً من قيام بعض البلطجية بإشعال النار في المبني الذي يمثل نهاية عصر الفساد والبلطجة وإهدار المال العام.