٣٠/ ٤/ ٢٠١١
«لا للاضطهاد الأمنى.. لا للتفرقة فى التعامل.. لا للتجاهل».. تسببت هذه اللاءت الثلاث التى أطلقها الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، فى لقائه مع أبناء سيناء منذ أيام لأول مرة، فى شعور بدو سيناء بصدق نوايا القيادة الحاكمة بعد تعمد إقصائهم، وعزلهم عن المجتمع المصرى، من النظام السابق لعقود طويلة، كما ألهب اعتذار «شرف» عن الماضى الكئيب، مشاعر جميع البدو والحضر.
تحرص «المصرى اليوم» على وضع مطالب بدو جنوب سيناء، كما فعلت مع الشمال فى أعداد سابقة، أمام الرأى العام والحكومة، تقديراً لهذه البقعة الغالية من الوطن، فى ظل تعهد أبناء سيناء بفتح صفحة جديدة أساسها العمل والتنمية.
ومع هذا لا يعيبنا فتح ملفات الماضى، بحلوها ومرها ويجب ألا نخجل من أخطائنا، فهناك مشاكل عديدة لاتزال عالقة ويجب التخلص منها، إن كنا نبغى تنمية حقيقية.. فالقضاء على المخدرات أمر يجب حسمه وإلغاء قانون «حق الانتفاع» وتملك الأراضى الذى يحتاج لتعديل.. وتبقى قضية تنمية وديان سيناء، البالغ عددها نحو ١٤٧، هى قضية أمنية وصمام أمن حدودنا الشرقية.
كانت بداية صادمة أن يعترف جمعة صفوت، من أهالى سيناء، بزراعة المخدرات فى «وادى فِران».. دخله ٢٠٠ جنيه شهرياً كعامل يومية، وما يجنيه من محصول المخدرات، الذى اعتاد زراعته لا يتعدى ٥٠٠ جنيه. ويكمل جمعة اعترافه: «لو جاءنى رئيس الجمهورية سأطلب منه أن يأتى لى بالبديل». وأضاف: ماذا ينتظر من آلاف تعيش فى وديان أصبح ماؤها غوراً؟!
١٤٧ وادياً يعيش فيها نحو ٦٥٪ من بدو جنوب سيناء، فى تلك الوديان المنتشرة بين ربوع وجبال سيناء، ففى الوديان البدوية أناس لا يجدون لقمة عيش أو قطرة ماء نظيفة ويحصلون على الخدمات المعدومة بشق الأنفس، متهمون دائماً بزراعة المخدرات رغم ترك شبابهم غارقين فى البطالة، فهم يرون أنفسهم أغراباً فى أراضيهم، يكتوون بنار الفقر والبطالة كما يقول «جمعة».
تمثل الوديان حزاماً أمنياً وبُعداً استراتيجياً لحدود مصر الشرقية، فلا أحد يملك خريطة مداخل ومخارج الوديان، سوى البدو وإسرائيل، بحكم احتلال الأخيرة «سيناء» لسنوات، واليوم تشاركنا الحدود الشرقية.. لا أحد يراهن على انسحاب سكانها رغم قسوة الظروف، فالبدو قطعوا عهداً على أنفسهم بألا يرحلوا من الوديان إلى الحضر، حفاظاً على مداخل ومخارج الثغرات التى أحدثتها الطبيعة فى طور سيناء.
من مدينة «أبورديس» يمكنك التوجه إلى «وادى فران» الأشهر بين الوديان والذى يقع على بعد ٦٠ كيلو متراً شمال غرب دير سانت كاترين، يمتد لمساحة ٢٠ متراً، فى الماضى كانت تغمره السيول الجارفة بشكل منتظم، وسمى «وادى الفِران» لفوران المياه الجوفية وعذوبتها ولذا أقيمت عليه حدائق الفاكهة الغناء، واشتهر بأندر أشجار النخيل والزيتون، واليوم جفت آباره ويحمل سكانه على أكتافهم مياه الشرب لمسافات تزيد على كيلو متر-كما يقول جمعة.
أضاف «جمعة»: الحكومة أهملت حفر الآبار وتعبنا من الشكوى للمسؤولين فى حين أن تكلفة البئر لا تتعدى ١٠٠ ألف جنيه، وكنا نعلم أن المحافظة رصدت ميزانية لحفر ١١ بئراً، لا نعرف أين ذهبت تلك الأموال. ويمضى قائلاً: يعتقد البعض أن زراعة المخدرات مربحة فى حين كيلو «البانجو» لا يتعدى ٣٠ جنيهاً ومن أين لنا بالمياه والمساحات الخصبة، لزراعة كميات من المخدرات للاتجار؟
ويؤكد «جمعة» أن قسوة الظروف وقلة المياه هى التى دفعته لزراعة مساحة لا تتجاوز أمتاراً فى الوقت الذى لا تحتاج فيه المخدرات سوى قطرات من الندى.
ويتساءل «جمعة»: لماذا يتم حرماننا من العمل فى شركة «أبورديس» للبترول، الأقرب لنا، فهى أفضل من زراعة المخدرات. وينهى حديثه برسالة إلى القيادة المصرية يطالبها بزيارة إلى الوديان على أرض الواقع لقناعته بأنه مهما يصف فهو يعيش وقبيلته حياة بؤس.
ويلتقط خيط الحديث الشيخ يوسف صباح، من قبيلة «الجرارشة» قائلاً: «نحن مطاردون فى الصحراء، نعيش بلا استقرار ورغم ذلك نتعهد بالبقاء وحماية الوديان وفى محاولة لاجترار الماضى يقول الشيخ يوسف: «كان السادات يأتى لشعب سيناء ويجلس بيننا ويقص علينا خطة تعمير سيناء وزراعتها بالقمح، ثم أصبحنا نسيا منسيا فى الحكم الماضى، وهل لنا بعد الثورة أن نطالب- من جديد- بحفر آبار لمياه الشرب والزراعة؟.
الشيخ يوسف، ابنته فى السنة النهائية من المرحلة الإعدادية ولا توجد مدرسة ثانوى لإنهاء مرحلة أخرى من الدراسة، ويخشى أن تتوقف عند هذه المرحلة، وقالت زوجة الشيخ: «هناك مشكلة أخرى تواجه المرأة فى وديان مدينة الطور، هى أن تكلفة عملية الولادة تصل إلى ٣ آلاف جنيه، وسيارة الإسعاف تتحرك إلى أقرب مستشفى مقابل ٥٠٠ جنيه إن وجدت، وتعترف الزوجة بوجود مستشفى بنى حديثاً ويعمل به طبيب واحد لجميع التخصصات وعلاج واحد لكل الأمراض.
وفى وادى «مجيرح»، بمدينة دهب، الوضع لا يختلف كثيراً إذ غابت الخدمات الصحية والتعليم والمواصلات، ما جعل البعض يترك التعليم بسبب بعد المسافات بين الوادى والمدرسة.
ناعسة إبراهيم رفيع، ربة منزل، تطلق صرخة تحذير تسريب الفتيات من التعليم، كما فجرت قضية أخرى هى أنه قديما لم يعرف البدو توثيق الأوراق فى الزواج، ما أدى لضياع حقوق الأبناء، ولذا تطالب بتنظيم قوافل توعية من موظفى الصحة والسجل المدنى فضلاً عن تفعيل دور الصندوق الاجتماعى بتمويل المشروعات الصغيرة للمشغولات.
فى عام ١٩٨٦ أبرم جهاز تعمير الصحارى، اتفاقية مع برنامج الغذاء العالمى تهدف إلى توطين أبناء سيناء الوديان، كما تولى الاتفاقية اهتماما خاصا بتطوير المرأة السيناوية، وقال المهندس محمود عبدالرحيم، مدير مشروع العون الغذائى بجنوب سيناء: «تقوم الاتفاقية على أساس الغذاء مقابل العمل، وتحفيز المواطن السيناوى على حفر آبار مياه فى التجمعات السكنية بالوديان وتحويل تجمعات البدو الرحل إلى قرى اقتصادية تتبعها وحدات محلية»، واستطرد: «منذ عام ٨٦ أنشئ ٧٢ تجمعا بدوياً، من واقع اتفاقية برنامج الغذاء العالمى تخدم ١٥٠ أسرة».
وحول المعوقات التى واجهت المشروع الإنمائى، الذى بدأ منذ ربع قرن وانتهى لأجل غير مسمى، قال عبدالرحيم: ساهمت مصر بـ٣٥ مليون جنيه، كنواة لكل قرية إلى جانب برنامج الغذاء العالمى، إلا أن هذه المساهمات انتهت بكل مراحلها، لكن تبقى قاعدة البيانات والدراسات المتعلقة بالوديان لدى الجهاز المركزى للتعمير، وأكد عبدالرحيم أهمية العودة إلى جهاز التعمير، إن كانت هناك نوايا حقيقية لإعادة تطوير الوديان بجنوب سيناء.
عقب تفجيرات «طابا» ٢٠٠٥، عكفت حكومة النظام السابق على بناء سور بطول نحو مائة كيلو متر وارتفاع لا يقل عن متر، يبدأ هذا السور من كمين شرم الشيخ، وينتهى عند مدينة دهب تتخلله نقاط تفتيش.
زعمت الحكومة السابقة، أن الهدف من هذا السور حماية سيناء من أى تسلل أو حوادث إرهابية قد تحدث فضلاً عن السيطرة على عمليات التهريب على الحدود، وكان بدو الرويسات يملكون الربوع من البحر إلى الجبل واليوم يسكنون شريطا ضيقا، خلفهم جبال سيناء الشاهقة وأمامهم سور خرسانى، ليس هذا فحسب بل يخضعون لعمليات تفتيش ذاتى على الكمائن المنتشرة بطول السور، إذا سولت لهم أنفسهم فكرة التجوال بين ربوع سيناء.
تبعد منطقة الرويسات، نحو ٢٠ كيلو مترا من مدينة شرم الشيخ، والوصول إليها يستلزم عبور إحدى بوابات السور الخرسانى، يسكن الرويسات جزء من قبائل بدو «الحويطات- الجرارشة- المزينة»، ويعمل أغلبهم فى مجال السياحة أو بالأحرى سياحة السفارى التى يشتهر بها بدو سيناء.
وقال نور ناصر أبوبريق.. ٢٤ عاماً، حاصل على بكالوريوس حاسب آلى، من شباب ثورة ٢٥ يناير، ممثل شباب سيناء فى ميدان التحرير: «فى ٢٠٠٥ أوهمنا الأمن بضرورة هذا السور لحماية شرم الشيخ من الإرهاب، وكانت نقطة البداية من محمية رأس محمد ثم امتد إلى «وادى مدسوس» وصولاً إلى دهب ومع مرور الوقت، أيقنا أن هذا السور الهدف الرئيسى من إنشائه هو عزل البدو عن مدينة شرم الشيخ التى يسكنها كبار البلد ومجموعة مستثمرين فضلاً عن تحديد تحركاتهم داخل المدينة.
ويتوقف «نور» للحظة ليستعيد أنفاسه ويستطرد: «أليست فكرة هذا السور أشبه بالجدار العازل، الذى شيدته إسرائيل للفصل العنصرى بينها وبين أشقائنا الفلسطينيين»؟ وأوضح: بات السور الخرسانى يمثل حاجزا نفسياً يشعر به بدو سيناء- على حد وصف «نور»- الذى يعمل خفيرا بأحد الكمائن براتب شهرى لا يتجاوز ٢٥٠ جنيها رغم حصوله على مؤهل عال، ويضيف: كنت أحلم بأن ألتحق بالكلية الحربية أو الشرطة ولأننى من أبناء سيناء، فأنا محروم من الالتحاق بالكليات العسكرية، حتى الخدمة العسكرية لم نطلب لتأدية هذا الشرف الوطنى، وإن كانت هناك قلة قليلة حظيت بهذا الشرف، سيكون سلاح الأمن المركزى فى انتظارهم.. هذه هى النظرة والانطباع عن أبناء سيناء.
فى الرويسات تتجسد هموم وقضايا جموع بدو الجنوب، وفى مقدمة تلك القضايا الأحكام الغيابية، التى تبلغ نحو ١٠٠ حكم غيابى، وعدد مماثل من المعتقلين، ارتبطت معظمها بتهمة الاتجار بالمخدرات.
وقال الشيخ سيد سلامة من قبائل الرويسات: أثناء الاحتلال الإسرائيلى لسيناء تعمدت إسرائيل إجبار البدو على زراعة نبات الخشخاش والبانجو والأفيون وكان الهدف من زراعة المخدرات هو رسم صورة ذهنية مغلوطة عن البدو فى سيناء أو هكذا يبدو أبناء سيناء.
ويستطرد الشيخ: بعد عودة أرض سيناء لمصر، كانت هناك مرحلة أخرى فى انتظارنا ولكن هذه المرة من الأجهزة الأمنية المصرية وتحديداً جهاز مكافحة المخدرات حيث ارتبطت المعونات الأمريكية وترقيات ضباط الشرطة بمدى مقاومتهم زراعة المخدرات فى ربوع سيناء، ولهذا كان يجبر البدو للمرة الثانية على زراعتها حتى يأتى موعد الحصاد السنوى لجهاز المكافحة، مسجلاً أرقاماً لا تقل عن السنوات الماضية وبناء على ذلك يتحقق غرض وزارة الداخلية فى الحصول على الترقيات والمكافآت المناسبة كما يروق لهم، وفى النهاية تظل صورة البدوى كما هى تاجر مخدرات.
الشيخ «سلامة» له تجربة ارتبطت بمنحة الاتحاد الأوروبى، الذى رصد ١٠٠ مليون يورو لتنمية سيناء منذ سنوات، يرويها قائلاً: «سمعنا عن تلك المنحة فتقدمت بدراسة جدوى بشأن زراعة (ورد بلدى) بدلاً من المخدرات وقابلت الخواجة (برونو) مندوب الاتحاد الأوروبى المسؤول عن المنحة وشرحت له الدراسة التى تؤكد صلاحية التربة بسيناء لمثل هذه الزراعات على أن يتم تصدير جزء من هذه الزراعات والجزء الآخر يتم بيعه للمنشآت السياحية فى (شرم ودهب) وأعجب المسؤول الأوروبى بالفكرة وفجأة غادر الخواجة البلاد بلا رجعة ومات معه مشروع (الورد البلدى)» ويشير الشيخ (سلامة) إلى نجاح إسرائيل فى زراعة الزهور والنباتات العطرية فى بقعة الأرض المجاورة لسيناء.
ومنذ ٣ سنوات رصد الاتحاد الأوروبى منحة لا ترد لتنمية جنوب سيناء تنفق على مراحل فى إدارة مشروعات تنموية مقسمة إلى شرائح «منحة ترد- ومنحة معينة- مشاريع ذات فئات» على أن تنفق الشريحة الأولى بمبلغ ٣٦ مليون يورو والثانية ٦٤ مليوناً لكن لم يكتب النجاح لهذه المشاريع لعدم جديتها وسوء إدارتها، ويتساءل عدنان عيد، من قبيلة المزينة- حاصل على بكالوريوس تكنولوجيا بناء السفن: من المسؤول عن فشل هدف المنحة؟ ويضيف: «كنا نملك أرض شرم الشيخ من البحر إلى الجبل واليوم تم استبعادنا منها إلى حضن الجبل وتم بيعها إلى مجموعة رجال الأعمال، وفى النهاية نعمل لديهم كحراس وخفراء ببضعة جنيهات رغم أننا الملاك الحقيقيون لهذه الأرض بحكم التاريخ».
الوضع فى مدينة دهب لا يختلف كثيراً حيث يسكنها الجزء الأكبر من قبيلة المزينة لأكثر من ٨ قرون، نزحت قبيلة المزينة من شبه الجزيرة العربية وكان يطلق عليها قبيلة «أولاد حرب» لكثرة المعارك التى خاضتها مع قبيلة «الجرارشة» وكانت تلك القبائل تلقى برحالها حيث الزرع والماء.. امتلكت قبائل البدو ربوع سيناء لدهور طويلة فهم حراس البوابة الشرقية وجزء من النسيج المصرى، واختلطت دماؤهم بدماء الشهداء فى حروب عديدة شهدتها مصر وكانت آخرها ٧٣.
فى العقود الأخيرة اتجهت عيون المستثمرين إلى شبه جزيرة سيناء، وانتبه الكثيرون إلى أهمية الاستثمار السياحى، لما تملكه سيناء من مقومات سياحية عالمية، واليوم يواجه أهل سيناء تداعيات خطيرة من جراء الاستثمار، الذى أسس على مبدأ الظلم والتجاهل لأبناء سيناء- بحسب تأكيد الأهالى، الذين أكدوا أن قضية تمليك الأراضى بقانون حق الانتفاع لـ٩٠ عاماً تشكل منعطفاً خطيراً لقبائل سيناء.
وقال الشيخ عايد أبوغزيل، من شباب ثورة ٢٥ يناير المتحدث باسم شباب دهب: حرمنا الاحتلال الإسرائيلى من بناء بيوتنا وظل هذا الحرمان يلاحقنا إلى وقتنا هذا، فالنظام السابق أصدر قراراته المجحفة وتعمد أن يعاملنا معاملة الأجانب بإصداره قانون حق الانتفاع لمدة لا تزيد على ٩٠ عاماً إضافة إلى أن سعر متر الأرض للبدوى ١٠٠ جنيه، فى المقابل يتم بيع المتر للمستثمر من الوادى بـ٤٠ جنيها ويستطرد: إجراءات الشراء والبيع تتم بعقد ابتدائى ولا يمكننا الحصول على عقد نهائى، وهذا يعنى أن بيوتنا سيتم طرد أبنائنا وأحفادنا منها، بعد انقضاء مدة حق الانتفاع، ويطالب أبوغزيل الحكومة بإعادة النظر فى هذا القانون وتسهيل إجراءات التمليك لبدو سيناء.
وفى مدينة دهب يحصل المستثمرون من رجال الأعمال بحكم علاقة البعض برجال النظام السابق- بحسب قول عدد من أهالى المدينة- على تخصيص أراض لإقامة مشروعات سياحية وفجأة تتحول هذه الأراضى إلى مشروعات سكنية، فيلات فاخرة يتم بيعها بأسعار باهظة، لكن كما أن هناك مستثمرين من كبار رجال الأعمال، هناك أيضاً مجموعة من شباب وادى النيل، ذهبوا إلى سيناء واختلطوا بالبدو وعاشوا وتعايشوا مع أهل سيناء فى شراكة عمل، من واقع مشروعات صغيرة، منهم أشرف وموسى وإيهاب الذين قالوا إنهم انصهروا فى مجتمعات البدو لأكثر من ٢٠ عاماً.
أشرف بكر، من مؤيدى فكرة إنشاء كوبرى يربط بين مصر والسعودية، أما إيهاب محمد، الذى يعمل فى مجال السياحة، مع أصدقائه من قبيلة المزينة فقال: «مدينة» دهب أقل حظاً من شرم الشيخ، بسبب الدعاية الإعلامية والسياحية المكثفة لشرم وتجاهل دهب ويطالب «إيهاب» وزير السياحة بتعديل اسم مطار شرم إلى «شرم الشيخ دهب»، كما يطلب زيادة عدد الغرف الفندقية فى دهب، وينبه «إيهاب» إلى التعديات الواقعة على محمية «البلوهول»، التابعة لمحمية أبوجالوم بدهب، التى لا تقل أهمية عن محمية رأس محمد، بحسب قوله.
ويناشد شباب ثورة ٢٥ يناير فى دهب، رئيس الوزراء تسهيل إجراءات المشروعات الاستثمارية الصغيرة، وقالت سلمى أبوغزيل: «لقد حرمت من التعليم بسبب ظروف البادية لكننى اليوم امتلك أكثر من لغة أجنبية، بحكم عملى فى مجال السياحة، ولهذا نفكر نحن ائتلاف شباب الثورة فى التغلب على البطالة بإنشاء مؤسسة تنشيط سياحة، ولكن صدمتنا الإجراءات والتعقيدات البيروقراطية، وتجدد الأمل فينا مع حكومة الدكتور «شرف».
وطالب الشيخ جمعة زيدان، من دهب، بتغيير المشايخ الأمنيين على أن يكون الاختيار بالانتخاب وليس بالتعيين، كما كان يحدث فى السابق. وشدد «زيدان» على أهمية حل قضية تمليك الأراضى وبطلان عقد حق الانتفاع.
لا يخلو مكان من شعاع أمل، وفى دهب أضاء النور الشيخ سليمان أبوعطوى، من قبيلة «المزينة»، كما تحدى المعوقات والصعاب التى قابلته.. يمتلك الشيخ «أبوعطوى» فندقاً فئة ثلاث نجوم، ويعمل معه والده وأبناؤه فى إدارة الفندق ذى الطابع البدوى واللافت للنظر أن «أبوعطوى» هو البدوى الوحيد الذى يمتلك مشروعاً خاصاً به.
بدأ «أبوعطوى» حديثه بتقييم الوضع العام لأبناء سيناء وتساءل: لماذا يحرم البدوى من المناصب الإدارية بالدولة، كما يتم حرمان أبنائنا من دخول سلك القضاء والخارجية، فضلاً عن إقصائنا من الكليات العسكرية؟ ويضيف: «يتردد فى وسائل الإعلام تصريحات المسؤولين بتعيين وزير تنمية لسيناء، فهل نأمل أن يكون هذا الوزير سيناوياً يوماً ما أو على الأقل يتم تعيين المستشارين فى الوزارة المزمعة من سيناء لأن أهل مكة أدرى بشعابها.
ومنذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضى لم تكن هناك خدمة فندقية فى سيناء، وكانت المخيمات هى البديل للمسافرين، وكان «أبوعطوى» الأب وابنه سليمان من أصحاب تلك المخيمات، ومع تطور الحياة قرر «أبوعطوى» الأب وابنه سليمان تشييد فندق مكان المخيمات الواقعة على أحد شواطئ دهب، إذ لم تكن الإجراءات القانونية سهلة للبدو، ولهذا فكر «أبوعطوى» فى البحث عن شريك له، من أبناء وادى النيل لإنهاء الروتين بشكل عملى.
وهنا يقول: «تشكل التعقيدات البيروقراطية عائقاً حقيقياً لمن تسول له نفسه عمل مشروع خاص، ولذا نطالب باللامركزية فى سيناء وتخصيص جهة واحدة لإنهاء جميع الإجراءات التى تكبدنا مشقة السفر إلى القاهرة ومحافظات أخرى.. ويتألم «أبوعطوى» كثيراً كما يتألم آخرون من قانون حق الانتفاع، الذى بموجبه يتم حرمان البدو من امتلاك أراضيهم وبيوتهم.
وأضاف: «ها نحن نضع قضايانا وهمومنا بين أيادى من عهدنا إليهم بمسؤولية هذا البلد، ونرسل برسالتنا إلى الشعب المصرى ونقول له الآن تغيرت مصر إلى مزيد من الحرية والديمقراطية، ومن أرض الفيروز وأرض البطولات نوجه الدعوة نحن أبناء شبه جزيرة سيناء إلى كل مصرى وإلى كل جاد بأن يشاركنا تنمية هذا المجتمع بفتح صفحة جديدة فى عهد جديد».
بدو دهب فى مجرى السيل
«لا للاضطهاد الأمنى.. لا للتفرقة فى التعامل.. لا للتجاهل».. تسببت هذه اللاءت الثلاث التى أطلقها الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، فى لقائه مع أبناء سيناء منذ أيام لأول مرة، فى شعور بدو سيناء بصدق نوايا القيادة الحاكمة بعد تعمد إقصائهم، وعزلهم عن المجتمع المصرى، من النظام السابق لعقود طويلة، كما ألهب اعتذار «شرف» عن الماضى الكئيب، مشاعر جميع البدو والحضر.
تحرص «المصرى اليوم» على وضع مطالب بدو جنوب سيناء، كما فعلت مع الشمال فى أعداد سابقة، أمام الرأى العام والحكومة، تقديراً لهذه البقعة الغالية من الوطن، فى ظل تعهد أبناء سيناء بفتح صفحة جديدة أساسها العمل والتنمية.
ومع هذا لا يعيبنا فتح ملفات الماضى، بحلوها ومرها ويجب ألا نخجل من أخطائنا، فهناك مشاكل عديدة لاتزال عالقة ويجب التخلص منها، إن كنا نبغى تنمية حقيقية.. فالقضاء على المخدرات أمر يجب حسمه وإلغاء قانون «حق الانتفاع» وتملك الأراضى الذى يحتاج لتعديل.. وتبقى قضية تنمية وديان سيناء، البالغ عددها نحو ١٤٧، هى قضية أمنية وصمام أمن حدودنا الشرقية.
كانت بداية صادمة أن يعترف جمعة صفوت، من أهالى سيناء، بزراعة المخدرات فى «وادى فِران».. دخله ٢٠٠ جنيه شهرياً كعامل يومية، وما يجنيه من محصول المخدرات، الذى اعتاد زراعته لا يتعدى ٥٠٠ جنيه. ويكمل جمعة اعترافه: «لو جاءنى رئيس الجمهورية سأطلب منه أن يأتى لى بالبديل». وأضاف: ماذا ينتظر من آلاف تعيش فى وديان أصبح ماؤها غوراً؟!
١٤٧ وادياً يعيش فيها نحو ٦٥٪ من بدو جنوب سيناء، فى تلك الوديان المنتشرة بين ربوع وجبال سيناء، ففى الوديان البدوية أناس لا يجدون لقمة عيش أو قطرة ماء نظيفة ويحصلون على الخدمات المعدومة بشق الأنفس، متهمون دائماً بزراعة المخدرات رغم ترك شبابهم غارقين فى البطالة، فهم يرون أنفسهم أغراباً فى أراضيهم، يكتوون بنار الفقر والبطالة كما يقول «جمعة».
تمثل الوديان حزاماً أمنياً وبُعداً استراتيجياً لحدود مصر الشرقية، فلا أحد يملك خريطة مداخل ومخارج الوديان، سوى البدو وإسرائيل، بحكم احتلال الأخيرة «سيناء» لسنوات، واليوم تشاركنا الحدود الشرقية.. لا أحد يراهن على انسحاب سكانها رغم قسوة الظروف، فالبدو قطعوا عهداً على أنفسهم بألا يرحلوا من الوديان إلى الحضر، حفاظاً على مداخل ومخارج الثغرات التى أحدثتها الطبيعة فى طور سيناء.
من مدينة «أبورديس» يمكنك التوجه إلى «وادى فران» الأشهر بين الوديان والذى يقع على بعد ٦٠ كيلو متراً شمال غرب دير سانت كاترين، يمتد لمساحة ٢٠ متراً، فى الماضى كانت تغمره السيول الجارفة بشكل منتظم، وسمى «وادى الفِران» لفوران المياه الجوفية وعذوبتها ولذا أقيمت عليه حدائق الفاكهة الغناء، واشتهر بأندر أشجار النخيل والزيتون، واليوم جفت آباره ويحمل سكانه على أكتافهم مياه الشرب لمسافات تزيد على كيلو متر-كما يقول جمعة.
أضاف «جمعة»: الحكومة أهملت حفر الآبار وتعبنا من الشكوى للمسؤولين فى حين أن تكلفة البئر لا تتعدى ١٠٠ ألف جنيه، وكنا نعلم أن المحافظة رصدت ميزانية لحفر ١١ بئراً، لا نعرف أين ذهبت تلك الأموال. ويمضى قائلاً: يعتقد البعض أن زراعة المخدرات مربحة فى حين كيلو «البانجو» لا يتعدى ٣٠ جنيهاً ومن أين لنا بالمياه والمساحات الخصبة، لزراعة كميات من المخدرات للاتجار؟
ويؤكد «جمعة» أن قسوة الظروف وقلة المياه هى التى دفعته لزراعة مساحة لا تتجاوز أمتاراً فى الوقت الذى لا تحتاج فيه المخدرات سوى قطرات من الندى.
ويتساءل «جمعة»: لماذا يتم حرماننا من العمل فى شركة «أبورديس» للبترول، الأقرب لنا، فهى أفضل من زراعة المخدرات. وينهى حديثه برسالة إلى القيادة المصرية يطالبها بزيارة إلى الوديان على أرض الواقع لقناعته بأنه مهما يصف فهو يعيش وقبيلته حياة بؤس.
ويلتقط خيط الحديث الشيخ يوسف صباح، من قبيلة «الجرارشة» قائلاً: «نحن مطاردون فى الصحراء، نعيش بلا استقرار ورغم ذلك نتعهد بالبقاء وحماية الوديان وفى محاولة لاجترار الماضى يقول الشيخ يوسف: «كان السادات يأتى لشعب سيناء ويجلس بيننا ويقص علينا خطة تعمير سيناء وزراعتها بالقمح، ثم أصبحنا نسيا منسيا فى الحكم الماضى، وهل لنا بعد الثورة أن نطالب- من جديد- بحفر آبار لمياه الشرب والزراعة؟.
الشيخ يوسف، ابنته فى السنة النهائية من المرحلة الإعدادية ولا توجد مدرسة ثانوى لإنهاء مرحلة أخرى من الدراسة، ويخشى أن تتوقف عند هذه المرحلة، وقالت زوجة الشيخ: «هناك مشكلة أخرى تواجه المرأة فى وديان مدينة الطور، هى أن تكلفة عملية الولادة تصل إلى ٣ آلاف جنيه، وسيارة الإسعاف تتحرك إلى أقرب مستشفى مقابل ٥٠٠ جنيه إن وجدت، وتعترف الزوجة بوجود مستشفى بنى حديثاً ويعمل به طبيب واحد لجميع التخصصات وعلاج واحد لكل الأمراض.
وفى وادى «مجيرح»، بمدينة دهب، الوضع لا يختلف كثيراً إذ غابت الخدمات الصحية والتعليم والمواصلات، ما جعل البعض يترك التعليم بسبب بعد المسافات بين الوادى والمدرسة.
ناعسة إبراهيم رفيع، ربة منزل، تطلق صرخة تحذير تسريب الفتيات من التعليم، كما فجرت قضية أخرى هى أنه قديما لم يعرف البدو توثيق الأوراق فى الزواج، ما أدى لضياع حقوق الأبناء، ولذا تطالب بتنظيم قوافل توعية من موظفى الصحة والسجل المدنى فضلاً عن تفعيل دور الصندوق الاجتماعى بتمويل المشروعات الصغيرة للمشغولات.
فى عام ١٩٨٦ أبرم جهاز تعمير الصحارى، اتفاقية مع برنامج الغذاء العالمى تهدف إلى توطين أبناء سيناء الوديان، كما تولى الاتفاقية اهتماما خاصا بتطوير المرأة السيناوية، وقال المهندس محمود عبدالرحيم، مدير مشروع العون الغذائى بجنوب سيناء: «تقوم الاتفاقية على أساس الغذاء مقابل العمل، وتحفيز المواطن السيناوى على حفر آبار مياه فى التجمعات السكنية بالوديان وتحويل تجمعات البدو الرحل إلى قرى اقتصادية تتبعها وحدات محلية»، واستطرد: «منذ عام ٨٦ أنشئ ٧٢ تجمعا بدوياً، من واقع اتفاقية برنامج الغذاء العالمى تخدم ١٥٠ أسرة».
وحول المعوقات التى واجهت المشروع الإنمائى، الذى بدأ منذ ربع قرن وانتهى لأجل غير مسمى، قال عبدالرحيم: ساهمت مصر بـ٣٥ مليون جنيه، كنواة لكل قرية إلى جانب برنامج الغذاء العالمى، إلا أن هذه المساهمات انتهت بكل مراحلها، لكن تبقى قاعدة البيانات والدراسات المتعلقة بالوديان لدى الجهاز المركزى للتعمير، وأكد عبدالرحيم أهمية العودة إلى جهاز التعمير، إن كانت هناك نوايا حقيقية لإعادة تطوير الوديان بجنوب سيناء.
عقب تفجيرات «طابا» ٢٠٠٥، عكفت حكومة النظام السابق على بناء سور بطول نحو مائة كيلو متر وارتفاع لا يقل عن متر، يبدأ هذا السور من كمين شرم الشيخ، وينتهى عند مدينة دهب تتخلله نقاط تفتيش.
زعمت الحكومة السابقة، أن الهدف من هذا السور حماية سيناء من أى تسلل أو حوادث إرهابية قد تحدث فضلاً عن السيطرة على عمليات التهريب على الحدود، وكان بدو الرويسات يملكون الربوع من البحر إلى الجبل واليوم يسكنون شريطا ضيقا، خلفهم جبال سيناء الشاهقة وأمامهم سور خرسانى، ليس هذا فحسب بل يخضعون لعمليات تفتيش ذاتى على الكمائن المنتشرة بطول السور، إذا سولت لهم أنفسهم فكرة التجوال بين ربوع سيناء.
تبعد منطقة الرويسات، نحو ٢٠ كيلو مترا من مدينة شرم الشيخ، والوصول إليها يستلزم عبور إحدى بوابات السور الخرسانى، يسكن الرويسات جزء من قبائل بدو «الحويطات- الجرارشة- المزينة»، ويعمل أغلبهم فى مجال السياحة أو بالأحرى سياحة السفارى التى يشتهر بها بدو سيناء.
وقال نور ناصر أبوبريق.. ٢٤ عاماً، حاصل على بكالوريوس حاسب آلى، من شباب ثورة ٢٥ يناير، ممثل شباب سيناء فى ميدان التحرير: «فى ٢٠٠٥ أوهمنا الأمن بضرورة هذا السور لحماية شرم الشيخ من الإرهاب، وكانت نقطة البداية من محمية رأس محمد ثم امتد إلى «وادى مدسوس» وصولاً إلى دهب ومع مرور الوقت، أيقنا أن هذا السور الهدف الرئيسى من إنشائه هو عزل البدو عن مدينة شرم الشيخ التى يسكنها كبار البلد ومجموعة مستثمرين فضلاً عن تحديد تحركاتهم داخل المدينة.
ويتوقف «نور» للحظة ليستعيد أنفاسه ويستطرد: «أليست فكرة هذا السور أشبه بالجدار العازل، الذى شيدته إسرائيل للفصل العنصرى بينها وبين أشقائنا الفلسطينيين»؟ وأوضح: بات السور الخرسانى يمثل حاجزا نفسياً يشعر به بدو سيناء- على حد وصف «نور»- الذى يعمل خفيرا بأحد الكمائن براتب شهرى لا يتجاوز ٢٥٠ جنيها رغم حصوله على مؤهل عال، ويضيف: كنت أحلم بأن ألتحق بالكلية الحربية أو الشرطة ولأننى من أبناء سيناء، فأنا محروم من الالتحاق بالكليات العسكرية، حتى الخدمة العسكرية لم نطلب لتأدية هذا الشرف الوطنى، وإن كانت هناك قلة قليلة حظيت بهذا الشرف، سيكون سلاح الأمن المركزى فى انتظارهم.. هذه هى النظرة والانطباع عن أبناء سيناء.
فى الرويسات تتجسد هموم وقضايا جموع بدو الجنوب، وفى مقدمة تلك القضايا الأحكام الغيابية، التى تبلغ نحو ١٠٠ حكم غيابى، وعدد مماثل من المعتقلين، ارتبطت معظمها بتهمة الاتجار بالمخدرات.
وقال الشيخ سيد سلامة من قبائل الرويسات: أثناء الاحتلال الإسرائيلى لسيناء تعمدت إسرائيل إجبار البدو على زراعة نبات الخشخاش والبانجو والأفيون وكان الهدف من زراعة المخدرات هو رسم صورة ذهنية مغلوطة عن البدو فى سيناء أو هكذا يبدو أبناء سيناء.
ويستطرد الشيخ: بعد عودة أرض سيناء لمصر، كانت هناك مرحلة أخرى فى انتظارنا ولكن هذه المرة من الأجهزة الأمنية المصرية وتحديداً جهاز مكافحة المخدرات حيث ارتبطت المعونات الأمريكية وترقيات ضباط الشرطة بمدى مقاومتهم زراعة المخدرات فى ربوع سيناء، ولهذا كان يجبر البدو للمرة الثانية على زراعتها حتى يأتى موعد الحصاد السنوى لجهاز المكافحة، مسجلاً أرقاماً لا تقل عن السنوات الماضية وبناء على ذلك يتحقق غرض وزارة الداخلية فى الحصول على الترقيات والمكافآت المناسبة كما يروق لهم، وفى النهاية تظل صورة البدوى كما هى تاجر مخدرات.
الشيخ «سلامة» له تجربة ارتبطت بمنحة الاتحاد الأوروبى، الذى رصد ١٠٠ مليون يورو لتنمية سيناء منذ سنوات، يرويها قائلاً: «سمعنا عن تلك المنحة فتقدمت بدراسة جدوى بشأن زراعة (ورد بلدى) بدلاً من المخدرات وقابلت الخواجة (برونو) مندوب الاتحاد الأوروبى المسؤول عن المنحة وشرحت له الدراسة التى تؤكد صلاحية التربة بسيناء لمثل هذه الزراعات على أن يتم تصدير جزء من هذه الزراعات والجزء الآخر يتم بيعه للمنشآت السياحية فى (شرم ودهب) وأعجب المسؤول الأوروبى بالفكرة وفجأة غادر الخواجة البلاد بلا رجعة ومات معه مشروع (الورد البلدى)» ويشير الشيخ (سلامة) إلى نجاح إسرائيل فى زراعة الزهور والنباتات العطرية فى بقعة الأرض المجاورة لسيناء.
ومنذ ٣ سنوات رصد الاتحاد الأوروبى منحة لا ترد لتنمية جنوب سيناء تنفق على مراحل فى إدارة مشروعات تنموية مقسمة إلى شرائح «منحة ترد- ومنحة معينة- مشاريع ذات فئات» على أن تنفق الشريحة الأولى بمبلغ ٣٦ مليون يورو والثانية ٦٤ مليوناً لكن لم يكتب النجاح لهذه المشاريع لعدم جديتها وسوء إدارتها، ويتساءل عدنان عيد، من قبيلة المزينة- حاصل على بكالوريوس تكنولوجيا بناء السفن: من المسؤول عن فشل هدف المنحة؟ ويضيف: «كنا نملك أرض شرم الشيخ من البحر إلى الجبل واليوم تم استبعادنا منها إلى حضن الجبل وتم بيعها إلى مجموعة رجال الأعمال، وفى النهاية نعمل لديهم كحراس وخفراء ببضعة جنيهات رغم أننا الملاك الحقيقيون لهذه الأرض بحكم التاريخ».
الوضع فى مدينة دهب لا يختلف كثيراً حيث يسكنها الجزء الأكبر من قبيلة المزينة لأكثر من ٨ قرون، نزحت قبيلة المزينة من شبه الجزيرة العربية وكان يطلق عليها قبيلة «أولاد حرب» لكثرة المعارك التى خاضتها مع قبيلة «الجرارشة» وكانت تلك القبائل تلقى برحالها حيث الزرع والماء.. امتلكت قبائل البدو ربوع سيناء لدهور طويلة فهم حراس البوابة الشرقية وجزء من النسيج المصرى، واختلطت دماؤهم بدماء الشهداء فى حروب عديدة شهدتها مصر وكانت آخرها ٧٣.
فى العقود الأخيرة اتجهت عيون المستثمرين إلى شبه جزيرة سيناء، وانتبه الكثيرون إلى أهمية الاستثمار السياحى، لما تملكه سيناء من مقومات سياحية عالمية، واليوم يواجه أهل سيناء تداعيات خطيرة من جراء الاستثمار، الذى أسس على مبدأ الظلم والتجاهل لأبناء سيناء- بحسب تأكيد الأهالى، الذين أكدوا أن قضية تمليك الأراضى بقانون حق الانتفاع لـ٩٠ عاماً تشكل منعطفاً خطيراً لقبائل سيناء.
وقال الشيخ عايد أبوغزيل، من شباب ثورة ٢٥ يناير المتحدث باسم شباب دهب: حرمنا الاحتلال الإسرائيلى من بناء بيوتنا وظل هذا الحرمان يلاحقنا إلى وقتنا هذا، فالنظام السابق أصدر قراراته المجحفة وتعمد أن يعاملنا معاملة الأجانب بإصداره قانون حق الانتفاع لمدة لا تزيد على ٩٠ عاماً إضافة إلى أن سعر متر الأرض للبدوى ١٠٠ جنيه، فى المقابل يتم بيع المتر للمستثمر من الوادى بـ٤٠ جنيها ويستطرد: إجراءات الشراء والبيع تتم بعقد ابتدائى ولا يمكننا الحصول على عقد نهائى، وهذا يعنى أن بيوتنا سيتم طرد أبنائنا وأحفادنا منها، بعد انقضاء مدة حق الانتفاع، ويطالب أبوغزيل الحكومة بإعادة النظر فى هذا القانون وتسهيل إجراءات التمليك لبدو سيناء.
وفى مدينة دهب يحصل المستثمرون من رجال الأعمال بحكم علاقة البعض برجال النظام السابق- بحسب قول عدد من أهالى المدينة- على تخصيص أراض لإقامة مشروعات سياحية وفجأة تتحول هذه الأراضى إلى مشروعات سكنية، فيلات فاخرة يتم بيعها بأسعار باهظة، لكن كما أن هناك مستثمرين من كبار رجال الأعمال، هناك أيضاً مجموعة من شباب وادى النيل، ذهبوا إلى سيناء واختلطوا بالبدو وعاشوا وتعايشوا مع أهل سيناء فى شراكة عمل، من واقع مشروعات صغيرة، منهم أشرف وموسى وإيهاب الذين قالوا إنهم انصهروا فى مجتمعات البدو لأكثر من ٢٠ عاماً.
أشرف بكر، من مؤيدى فكرة إنشاء كوبرى يربط بين مصر والسعودية، أما إيهاب محمد، الذى يعمل فى مجال السياحة، مع أصدقائه من قبيلة المزينة فقال: «مدينة» دهب أقل حظاً من شرم الشيخ، بسبب الدعاية الإعلامية والسياحية المكثفة لشرم وتجاهل دهب ويطالب «إيهاب» وزير السياحة بتعديل اسم مطار شرم إلى «شرم الشيخ دهب»، كما يطلب زيادة عدد الغرف الفندقية فى دهب، وينبه «إيهاب» إلى التعديات الواقعة على محمية «البلوهول»، التابعة لمحمية أبوجالوم بدهب، التى لا تقل أهمية عن محمية رأس محمد، بحسب قوله.
ويناشد شباب ثورة ٢٥ يناير فى دهب، رئيس الوزراء تسهيل إجراءات المشروعات الاستثمارية الصغيرة، وقالت سلمى أبوغزيل: «لقد حرمت من التعليم بسبب ظروف البادية لكننى اليوم امتلك أكثر من لغة أجنبية، بحكم عملى فى مجال السياحة، ولهذا نفكر نحن ائتلاف شباب الثورة فى التغلب على البطالة بإنشاء مؤسسة تنشيط سياحة، ولكن صدمتنا الإجراءات والتعقيدات البيروقراطية، وتجدد الأمل فينا مع حكومة الدكتور «شرف».
وطالب الشيخ جمعة زيدان، من دهب، بتغيير المشايخ الأمنيين على أن يكون الاختيار بالانتخاب وليس بالتعيين، كما كان يحدث فى السابق. وشدد «زيدان» على أهمية حل قضية تمليك الأراضى وبطلان عقد حق الانتفاع.
لا يخلو مكان من شعاع أمل، وفى دهب أضاء النور الشيخ سليمان أبوعطوى، من قبيلة «المزينة»، كما تحدى المعوقات والصعاب التى قابلته.. يمتلك الشيخ «أبوعطوى» فندقاً فئة ثلاث نجوم، ويعمل معه والده وأبناؤه فى إدارة الفندق ذى الطابع البدوى واللافت للنظر أن «أبوعطوى» هو البدوى الوحيد الذى يمتلك مشروعاً خاصاً به.
بدأ «أبوعطوى» حديثه بتقييم الوضع العام لأبناء سيناء وتساءل: لماذا يحرم البدوى من المناصب الإدارية بالدولة، كما يتم حرمان أبنائنا من دخول سلك القضاء والخارجية، فضلاً عن إقصائنا من الكليات العسكرية؟ ويضيف: «يتردد فى وسائل الإعلام تصريحات المسؤولين بتعيين وزير تنمية لسيناء، فهل نأمل أن يكون هذا الوزير سيناوياً يوماً ما أو على الأقل يتم تعيين المستشارين فى الوزارة المزمعة من سيناء لأن أهل مكة أدرى بشعابها.
ومنذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضى لم تكن هناك خدمة فندقية فى سيناء، وكانت المخيمات هى البديل للمسافرين، وكان «أبوعطوى» الأب وابنه سليمان من أصحاب تلك المخيمات، ومع تطور الحياة قرر «أبوعطوى» الأب وابنه سليمان تشييد فندق مكان المخيمات الواقعة على أحد شواطئ دهب، إذ لم تكن الإجراءات القانونية سهلة للبدو، ولهذا فكر «أبوعطوى» فى البحث عن شريك له، من أبناء وادى النيل لإنهاء الروتين بشكل عملى.
وهنا يقول: «تشكل التعقيدات البيروقراطية عائقاً حقيقياً لمن تسول له نفسه عمل مشروع خاص، ولذا نطالب باللامركزية فى سيناء وتخصيص جهة واحدة لإنهاء جميع الإجراءات التى تكبدنا مشقة السفر إلى القاهرة ومحافظات أخرى.. ويتألم «أبوعطوى» كثيراً كما يتألم آخرون من قانون حق الانتفاع، الذى بموجبه يتم حرمان البدو من امتلاك أراضيهم وبيوتهم.
وأضاف: «ها نحن نضع قضايانا وهمومنا بين أيادى من عهدنا إليهم بمسؤولية هذا البلد، ونرسل برسالتنا إلى الشعب المصرى ونقول له الآن تغيرت مصر إلى مزيد من الحرية والديمقراطية، ومن أرض الفيروز وأرض البطولات نوجه الدعوة نحن أبناء شبه جزيرة سيناء إلى كل مصرى وإلى كل جاد بأن يشاركنا تنمية هذا المجتمع بفتح صفحة جديدة فى عهد جديد».
بدو دهب فى مجرى السيل