الهندوسية
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ،أما بعد:
فهذه ديانة وثنية وضعية ،ظلماء مظلمة بعيدة عن نور الوحي الإلهي ، تخبط تام واستحواذ شيطاني بهم ،وغريبة من غرائب الهند...
وقد عرضت قناة المجد برنامج يحكي ( غرائب الهند) والهندوسية تجده على هذا الرابط http://www.almoso3h.com/almjd-progra...hend/index.php
النشأة:
إنَّ الدارس لتاريخ الهند يجد صعوبة بالغة في تحديد حالات الاستقرار في الهند، ولكن الراجح أنَّها بدأت تشهد منذ الألف السادس قبل الميلاد حالات من هذا القبيل. لقد عرفت هجرات عديدة، وموجات من الشعوب، وإن كان الآريون الآتون من ضفاف بحر قزوين هم المجموعة الأبرز، والتي تبلورت معها أمور كثيرة في الهند ومنها الديانة الهندوسية.
وبعد جولات ونزاعات شهدت حالات من الكر والفر مع باقي موجات الشعوب، دخل الآريون ـ كما يقول السحمراني ـ في نسيج البلاد إلى حدّ أنَّ بعض المؤرخين قال: كلمة (آري) مأخوذة من اللغة السنسكريتية وهي لغة الهند ومعناها: الشريف.
ولم يلبث أن امتزج الآريون بالدرافيديين، الأمر الذي أثر في صنع نموذج الهند الديني، ومعتقده ومعبوده، واللفظ عندهم متقارب مع الكلمات الأوروبية بفعل وحدة المنشأ اللغوي والثقافي والسكاني، الإله عند الهنود هو (دافا Dava) وفي اللاتينية (Deus) وفي الفرنسية (Dieu) وهكذا.
أمّا الأدبيات الدينية الهندية فقد تـمَّ تدوينها على مراحل، ولـم تظهر أيّة مدونات قبل القرن الثامن قبل الميلاد وهي ما سمي بكتب (الفيدا) ومعناها "كتب الحكمة".
ومما يلفت الانتباه إليه هو أنه لـم تنسب أدبيات الهندوس لشخص بعينه بل هي، ، بل هي ثمرة تراث لشعوب تمازجت وانصهرت في بوتقة مجتمع واحد.
كانت الهندوسية تسمى قديماً درما Dhorma وهو الإسم الأصلي، وتسمى كذلك سانتانا Sentana، واتخذت حديثاً اسم الهندوسية، وباتت تشمل الحضارة والدين والعادات والتقاليد.
عقيدة الهندوس:
يقود البحث في عقيدة الهندوس في الألوهية إلى مزيد من التعقيد والإرباك، بحيث تطالعك المصادر والمراجع في الحديث عن آلاف الآلهة التي يقدسونها، واختصاص كلّ واحد منهم بمهمة.
ويبدو أن برهم يعتبر الإله الاساسي في عقيدة الهندوس وقد تحدث البستاني في دائرة معارفه عن أصله فقال: إنه من أصل فارسي مركب من كلمتين هما براي أي الارتفاع وماه أي عظيم أو ميه أي النشر والبسط كناية عن القبة المقعرة السموية التي لاتتغير شكلاً ولا وضعاً فإذاً هي غير متغيرة والنجوم الزاهرة هي تحتها، ويقال أن برهم حقيقة سنسكريتية وهي تحريف برماه وهي كلمة لا تأنيث فيها ولا تذكير فيكون المراد بها أن المعبود خنثى أي يمكن أن يجمع بين التذكير والتانيث أو يكون فاقداً لكليهما.
أما عن طبيعة الآلهة عند الهندوس يذكر ول ديورانت، في قصة الحضارة : «تزدحم بها مقبرة العظماء في الهند، ولو أحصينا أسماء هاتيك الآلهة لاقتضى ذلك مائة مجلد، وبعضها أقرب في طبيعته إلى الملائكة، وبعضها هو ما قد نسميه نحن بالشياطين، وطائفة منهم أجرام سماوية مثل الشمس، وطائفة منهم تمائم ... وكثير منها هي حيوانات الحقل أو طيور السَّماء، فالهندي لا يرى فارقاً بعيداً بين الحيوان والإنسان، فللحيوان روح كما للإنسان... وكلّ هذه الصنوف الإلهية قد نسجت خيوطها في شبكة واحدة لا نهاية لحدودها، هي (كارما)(1) وتناسخ الأرواح؛ فالفيل مثلاً قد أصبح الإله جانيشا واعتبروه ابن شيفا، وفيه تتجسّد طبيعة الإنسان الحيوانية... كذلك كانت القردة والأفاعي مصدر رعب، فكانت لذلك من طبيعة الآلهة؛ فالأفعى التي تؤدي عضة واحدة منها إلى موت سريع، واسمها ناجا، كان لها عندهم قدسية خاصة؛ وترى النّاس في كثير من أجزاء الهند يقيمون كلّ عام حفلاً دينياً تكريماً للأفاعي، ويقدّمون العطايا من اللبن والموز لأفاعي الناجا عند مداخل جحورها؛ كذلك أقيمت المعابد تمجيداً للأفاعي كما هي الحال في شرق ميسور».
وهذا العرض يخالف ما ذهب إليه البيروني من أنَّ عقيدة التوحيد هي القائمة وأنَّ الخالق منـزهٌ، حيث يقول «اعتقاد الهند في اللّه سبحانه أنَّه الواحد الأزلي من غير ابتداء ولا انتهاء، المختار في فعله، القادر الحكيم، الحي المحيي، المدبر المبقي، المفرد في ملكوته عن الأضداد والأنداد، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء... هو المستغني بأزليته ووحدانيته عن فعل المكافأة عليه براحة تؤمل وترتجى، أو شدّة تُخاف وتُتقى».
أما البستاني فيقول "إن برهم هو نفس برهم معبود الهنود بعد أن شرع في أعماله، وهو الأقنوم الأول من الثالوث الهندي أي أن برهم ينبثق من نفسه في ثلاثة أقانيم كل مرة في أقنوم، فالأقنوم الأول الذي يظهر به أول مرة هو برهما، والثاني وشنو، والثالث سيوا". ويذهب إلى قريب من هذا د. إحسان حقّي حيث يقول في مقدمة كتابهم المقدس (منُّوسَمَرتي) في نسخته المترجمة: «يعتقد الهنادكة بالوحدة وله ثلاثة أعوان يديرون ملكه وهم: برهما، وشنو (فشنو)، فهِيش (شيفا)».
ولعلّ الأقرب إلى الواقع ما ورد هو أنَّهم يقولون بالثالوث من الآلهة الذين تُسند لكلّ منهم مهمة بعينها، والثالوث يكون من: براهما ـ فيشنو ـ شيفا.
أ ـ براهما: يُطلق عليه اسم (سانج هيانج)، واسمه بالسانسكريتية: (UTPETI)، وهو الخالق، حسب معتقدهم، لذلك نسجوا حوله أسطورة تدور حول عملية الخلق، وقد جاء في كتاب عالم الأديان لحميد فوزي مانصه:
«ويعتقد أنهَّ خالق الكون على طريقته، فقد أخذ براهما يتأمّل ويفكِّر طويلاً فنشأ عن تفكيره هذا فكرة مخصَّبة، تطوّرت إلى بذرة ذهبية، ومن تلك البيضة ولد براهما، خالق كلّ شيء فهو الخالق والمخلوق»، ورغم هذا الموقع الذي يحتله براهما في عقيدة الهندوس إلاَّ أنَّه مهمل في شعائرهم وطقوسهم.
ب ـ فيشنو: ويسمونه الحافظ وطريقته الحفـاظ على العالـم وبلغتهـم يسمونـه (Sthiti). فيشنو كما يصفه، كولر، في كتابه الفكر الشرقي القديم، فهو إله ممتلئ بالحبّ الذي يغذي الحياة، ويبقي عليها، وكثيراً ما يصوّرونه على هيئة إنسان يجسّد الخير والعون للبشر، ويساعده في مهمته آلهة آخرون، وفق معتقدهم ومنهم: راما ـ وكرشنا، ويحتل فيشنو موقعاً متميزاً في الشعائر الهندوسية.
ج ـ شيفا: يُنسب إليه الفناء والدمار، وهو المهلك للعالـم ومهمته نقيض مهمة فيشنو، ويسمونه بلغتهم (Sang Kan Par an).
وشيفا في عقيدة الهندوس وكما ورد في قصة الحضارة لديورانت هو «إله القسوة والتدمير قبل كلّ شيء آخر؛ هو تجسيد لتلك القوّة الكونية التي تعمل، واحدة بعد أخرى، على تخريب جميع الصور التي تتبدى فيها حقيقة الكون، جميع الخلايا الحيّة وجميع الكائنات العضوية، وكلّ الأنواع، وكلّ الأفكار وكلّ ما أبدعته يد الإنسان، وكلّ الكواكب، وكلّ شيء».
والهندوس الذي يعتبرون شيفا عندهم إله الفناء والدمار، حاولوا أن يفسّروا ما يصدر عنه بأنَّه بحدّ ذاته رحمة، وفي الحديث عن شيفا قالوا كما جاء في كتاب الفكر الشرقي القديم لكولر: «إنَّه يقدّم النعمة الإلهية التي بمقتضاها يمكن إزالة ضروب الافتقار التي تلوث والتي تتجلّى في صورة نواقص وعيوب في النفس المقيدة. ويحمل شيفا في راحة يده اليسرى العليا لساناً من لهب يمثِّل القوى المدمّرة التي ارتبطت طويلاً بهذا الإله»، وهكذا ترتكز الديانة الهندوسية على ثالوث إلهي قوامه: خالق هو براهما، وحافظ هو فيشنو، ومدمّر مهلك هو شيفا. ولهذا الثالوث تجليات في آلهة أخرى مثل كرشنا وراما وبودا وكاليكي.
وإذا أردنا أن نعرف بعض وظائف هذه الآلهة عندهم، نراهم قد اعتبروا كرشنا آتياً من أجل إحلال السّلام، وبودا، أو يووهي، من أجل نشر المعرفة والتعليم الذي يقود إلى الطمأنينة. أمّا كاليكي Kaluki فهو الإله المنتظر عند الهندوس والذي لـم ينـزل بعد، ولـم يحن وقت تجليه.
مصير الانسان بعد الموت
أمّا بالنسبة لمصير الإنسان بعد الموت، فإنَّ الهندوسية ـ كما يقول الحمراني في كتاب من قاموس الأديان، بحث الهندوسية ـ لا تؤمن بحياة أخرى فيها جنّة ونار وثواب وعقاب، وإنَّما يرتبط مصير النفس بموضوع التناسخ، حيث تنتقل الأنفس من بدن إلى آخر، وأعمال الإنسان هي التي تحدِّد مصير النفس، فإذا سلك سبيل الخير واتّبع الفضائل انعتقت نفسه من دورة الحياة في الأبدان واتحدّت بالروح الكلية، وإلاَّ تبقى في هذه الدورة متنقلة من بدن إلى آخر.
لذلك يركز الهندوس اهتمامهم على النفس، لأنَّ النفس في معتقدهم يمكن أن ترقى إلى الكمال، أمّا البدن فسمته النقص، ولكي يحقّق الجسد درجة ما من التطهير ينبغي عليه أن يستغل وجود الروح فيه، ولهذا قالوا بحرق البدن عند الموت، والموت عندهم نهاية لا تجدّد لها.
فكلّ الحواس لا يمكن أن تؤدي وظائفها، إذا لـم تكن آتما، وهي النفس، صاحبة القيادة والإرادة؛ وذلك لأنَّ النفس آتما هذه أصلها من براهما Sang Hay ang الذي يعتبرها كقرص الشمس وهي شعاعه، تلك الأشعة التي تدخل في كلّ مكان على امتداد العمران والكرة الأرضية.
والنفس عند الهندوس بالرغم من أنَّها كاملة، ولكنَّها لا تخلد كجوهر مستقل، وإنَّما خلاصها يتمّ عن طريق ممارسة رياضة «اليوغا»، وهذه الرياضة منها قسوة على البدن وتعويد للنفس على الصبر والثبات، واليوجا كلمة سنسكريتية معناها «النير» وسميت كذلك لأنَّها تخلّص النفس من نير البدن ومن نير الشهوات.
واليوغا هي طريق لتسهيل الاتحاد بالنفس الكلية، عن طريق رياضة روحية وجسدية، أو عن طريق القرابين، وتذهب اليوجا إلى أنَّه لا تكفي حياة واحدة لإدراك هذا الاتحاد لأنَّه بحسب مبدأ الكارما قد تتطلب أفعال العبد السيئة ولادات متتالية في صور إنسانية أو حيوانية.
ما تقدّم يدفعنا إلى القول إلى أنَّ الهندوس لا يتوافقون مع الرسالات السَّماوية عموماً في مسألة الخالق وفي النظر إلى اليوم الآخر.
ومن مظاهر التقديس عند الهندوس، نهر الغانج الذي يحجون إليه سنوياً بقصد التطهر بمائه، وكذلك يلقون فيه رماد موتاهم بعد أن يتمّ إحراق أجسادهم، فالدفن للأبدان ليس معتمداً عندهم.
ويقدس الهندوس البقر ولا يأكلون لحومه، والأبقار تنتقل عندهم في شوارع المدن حيث تشاء، وبحرية تامة، لا يزعجها أحد، وقد حصل الكثير من حوادث القطارات والسير في الهند، نتيجة توقف سريع إكراماً لبقرة، والأبقار تنتقل عندهم في شوارع المدن حيث تشاء، ويأكلون اللبن فقط، ويستخدمون الروث وقوداً، أمّا البول فهو عندهم للعلاج أحياناً كالدواء، ويضعه الكهنة في أوعية ويرشونه على الجمهور بعد انتهاء طقوسهم في المعابد، أما إذا ماتت البقرة وجب دفنها بجلال الطقوس الدينية.
الكتب الهندوسية:
لـم تنسب النصوص المقدسة عند الهنود كما ذكرنا إلى شخص بعينه، والفيدا أو الويدا Weda التي تعني في لغة الهنود السنسكريتية المعرفة، هي عبارة عن مدونة كبرى أو موسوعة تحوي الكثير عن بلاد الهند وشعبها على امتداد قرون عديدة تبدأ مع حوالي 2500 ق.م.
والفيدا هذه مرّت بمراحل، فقبل أن تدون كان معناها التأمّل، ولكن بعد أن دوّنت وسجلت تاريخ الهند وتراثه ومفاهيم الهندوس الدينية، أصبحت هي التي تنظم حياة أتباعها وصولاً إلى المعرفة المنشودة.
ويرجح ديورانت أن أول من قام بمهمة التدوين للمرة الأولى بعض التجار الهنود من طائفة الدرافيديين، ما جعل هذه الكتابة كما يظهر لا تستخدم إلاَّ لأغراض تجارية وإدارية، وهذا يعني أن التجار لا الكهنة هم الذين ارتقوا بهذا الفن الأساسي.
وبناء على ذلك يصل السحمراني إلى نتيجة مفادها أنَّ تدوين الفيدا تطوّر مع تطوّر اللغة السنسكريتية نفسها، ولعلّ هذا التأخر في التدوين هو الذي حرّم الباحثين من مصادر المعرفة عن تاريخ الهند القديـم.
ويبدو أنَّ الكهنة الهندوس ـ البراهمة ـ قد شجعوا فيما بعد هذا التدوين لتكون الفيدات في أيديهم سلاحاً دينياً يضمن لهم السيطرة والموقع المتقدّم، خاصة بعد أن وطدوا أسس النظام الطبقي في الهند وأعطوه بعداً دينياً.
الفيدات كما يبدو لم تكن كتاباً واحدا،ً وإنَّما هي مجموعة كتب تصل إلى أربعة عشر كتاباً، وأهم هذه الكتب كتاب اسمه: «منُّوسَمَرتي» أو «شرع منُّو» وقد نقله إلى العربية إحسان حقّي، وفي تقديمه للكتاب يبيِّن ما في نصوص الكتاب من تشويش وعدم انسجام فيقول: «وإذا شئنا أن نصف منُّوسَمَرتي قلنا إنَّها مجموعة متناقضات، إذ بينما نراه يرتفع بتشريعه إلى أعلى درجات العقل والإدراك وسلامة الذوق والتفكير نراه ينحدر فجأة إلى درجةٍ من السخافة والإسفاف المخجل... ولئن دلَّ هذا على شيء فإنَّما يدلُّ على أنَّ هذا الكتاب كُتب في أوقات متباعدة وبأيدي أناس مختلفين اختلافاً كبيراً في العلم والعقل والإدراك».
نظام الطبقات عند الهندوس:
تدين غالبية الشعب الهندي بالهندوسية، التي تطوّرت مع تطوّر الهند نفسها، وكما سبق القول، فإنَّ الهندوسية ليست ديانة فحسب وإنَّما حوت من خلال مفاهيمها وكتبها، تاريخ الهند الحضاري.
وقد اختلط النظام الديني، كما يقول السحمراني، بمختلف الأنظمة من سياسي واجتماعي واقتصادي ولكي يضمن أصحاب النفوذ الديني وأصحاب النفوذ السياسي نفوذهم كرّسوا نظام طبقي اجتماعي يضمن لهم السيطرة، فكان من ذلك أن تبلور نظام الطبقات عند الهندوس، الذي وزّع الهنود في أربع طبقات مغلقة، ينتمي الأبناء بذلك إلى طبقات آبائهم حكماً.
الطبقات الأربع: يتكون المجتمع حسب الهندوسية من أربع طبقات هي: البراهمة، الكشاتريا، الويشاش، الشودر.
ومزاعم الهندوسية تصل إلى حدِّ التمييز في مصدر ما يتكوّن منه أهل كلّ طبقة, وفي شرع منُّو، المعروف باسم «منُّوسَمَرتي»، يقولون: «لسعادة العالـم خلق برهما البراهمة من وجهه، والكشتريين من ذراعيه، والويش من فخذيه، والشودر من قدميه».
ووصف البيروني حال هذه الطبقات بشكل لا يبعد عن المفهوم الوارد في "منوسمرتي"حيث يقول: «وهذه الطبقات في أوّل الأمر أربع، علياها البراهمة، قد ذُكر في كتبهم أنَّ خلقتهم كان من رأس براهم... والرأس علاوة الحيوان، فالبراهمة نقاوة الجنس، ولذلك صاروا عندهم خيرة الإنس، والطبقة التي تتلوهم كشتر خُلقوا بزعمهم من مناكب براهم ويديه ورتبتهم عن رتبة البراهمة غير متباعدة جداً، ودونهم بَيْش، خُلقوا من رجلي براهم. وهاتان المرتبتان الأخيرتان متقاربتان، وعلى تمايزهم تجمع المدن والقرى، أربعتهم مختلطي المساكن والدور».
أ ـ البراهمة: جاء في نصوصهم المقدّسة (منُّوسَمَرتي) أنَّ الإله الأكبر برهما قد «عهد إلى البراهمة بقراءة الويد وتعليمه والقيام بأعمال يكيه لأنفسهم ولغيرهم وخصهم بإعطاء الصدقات وقبولها».
وأبناء هذه الطبقة هم كما يقول كولر«من الكهنة والمعلمين الذي يعدُّون بصفة عامة حملة الثقافة، ومهماتهم هي الحفاظ على المعرفة والثقافة وإرضاء الآلهة, والحفاظ على العدالة والأخلاق».
ب ـ كشاتريا: الطبقة الثانية رتبة بعد البراهمة. تتولّى هذه الفئة مسألة الحفاظ على الأمن في البلاد، لذلك من الواجب أن يتميّز أبناؤها بالكفاءة السياسية والعسكرية معاً بحيث يكون لهم في المجتمع الإقدام والمهابة، ويقول جون كولر في تعريف الكشاتريا ما يلي: «وتتألف طبقة الكشاتريا من حماة المجتمع والقائمين على إدارة شؤونه، وهم حرَّاس باقي المجتمع، والقائمون على أمنه، وعلى تنفيذ القواعد المختلفة التي تقتضيها الوظائف الاجتماعية الضرورية، وجاء في الجيتا أنَّ البطولة والقوّة والاستقامة والحذق، وعدم الهرب حتّى في المعركة، والكرم والقيادة، تلك هي واجبات رجال الكشاتريا التي تولّدت من طبيعته».
وما يُناط بهذه الطبقة يستلزم، كما قال البيروني، أن يكون (الكشتر) «مهيباً في القلوب، شجاعاً، متعظماً، ذلق اللسان، سمح اليد، غير مبالٍ بالشدائد، حريصاً على تيسير الخطوب».
ج ـ الفايشاش أو الويش: مهمة هذه الطبقة أساسية في المجتمع يقع عليها توفير الأمن الغذائي وتأمين الرخاء والاستقرار المعيشي، والشأن الاقتصادي بيد هذه الطبقة، وعملهم هذا لايقومون به اختياراً بل تنص عليه (منُّوسَمَرتي)، أو (شرع منُّو) التي تقول: «وفرض على الويش سبعة أمور هي: حفظ الحيوانات ورعيها، وإعطاء الصدقات، والقيام بعبادة يكيه، وقراءة الويد، والعمل بالتجارة، والتعامل بالربا، والاشتغال بالزراعة».
وتحاول هذه الطبقة رفع مستواها رويداً رويداً، وتعمل على تحرير نفسها من قيود الحياة ومشاغل الأيام، ولكنَّها تظلّ خادمة للأمّة وللشعب، فهي المسؤولة عن الإنتاج والرخاء».
د ـ شودار: أو سودرا؛ وهذه أدنى طبقات المجتمع في هرم التوزيع الهندوسي، وهؤلاء أشبه ما يكونون بالعبيد، فواجبهم الخدمة والعمل وإنجاز كلّ ما يوكل لهم من الطبقات الأعلى. يقول البيروني: «ويكون شُودر مجتهداً في الخدمة والتملُّق، متحبباً إلى كلّ أحدٍ بها، وكلّ من هؤلاء إذا ثبت على رسمه وعادته نال الخير».
أمّا إذا لـم يقم بواجبه ناله العقاب، وقد نص شرع الهندوس (منُّوسَمَرتي) بشأن وظيفة هذه الطبقة بما يلي: «وفرض الإله الأعظم على الشودار أمراً واحداً وهو أن يقوم بإخلاص تام بخدمة هذه الفرق الثلاث»، ويقصد بها الطبقات السابقة الذكر وهم: البراهمة، الكشاتريا، والفايشاش.
أوجد هذا التقسيم الطبقي انقسامٍاً حادٍاً في المجتمع الهندي الذي يربطه الهندوس بأصل النشأة، وهذا يعني إقفال الطريق أمام الكفاءات والقدرات، وبالتالي فقدان العدالة، ما أدى إلى قيام العديد من المحاولات للتخلص من هذا النظام الطبقي الجائر، وكانت أبرز هذه المحاولات محاولة المهاتما غاندي، في أوائل القرن العشرين، ولكن المحاولة لم تحقق النتائج المرجوة، لأن التميز الطبقي متأصل في العقيدة، وفي المجتمع عند الهندوس.
شعائر وعبادات الهندوس:
1 ـ الطهارة: يُلاحظ أنَّ المواقع المقدّسة التي يحج إليها الهندوس تتوزّع على ضفاف الأنهار، وخاصة نهر الغانج الذي يُعتبر أكثر الأنهار قداسة، ويلقى فيه رماد موتاهم بعد حرق جثثهم، ويكتسي هذه الأهمية من كونه ينبع حسب زعمهم من تحت قدمي الإله الحافظ «فيشنو».
فالجنابة كما جاء في نصوص كتابهم منُّوسَمَرتي يتمّ التطهر منها بالاغتسال «إذا ما خرج المني من الإنسان فإنَّه يتطهر بالغسل»، كما أنَّ «المرء يطهر بالغسل إذا ما لامس شخصاً من الأسافل، أو امرأة حائضاً أو نفساء، أو جثمان ميّت أو لمس من قد لمس جثمان ميّت».
وعندهم أيضاً أنَّ دم الشهيد طهرٌ له وبالتالي لا يغسَّل، ويقولون في شرعهم: «وكلّ من يموت في معركة أو قتال أو يهلك بصاعقة أو دون بقرة أو برهمي، أو يقتل بأمر الملك، أو يريد الملك أن يكون طاهراً، لا يتنجس أحد بموته»، أما للمرأة فإنَّها «تطهر بعد الإجهاض بيوم عن كلّ شهر من أشهر الحمل، وتطهر بعد الحيض بالغسل».
والطهارة عند الهندوس على نوعين؛ حسيّ وهو الاغتسال بالماء، ومعنوي كطهارة الروح بالعلوم المقدسة والقلب بالعبادات، وهكذا...
2 ـ الصلاة: يُعتبر الاستحمام، وارتداء الثياب النظيفة ذات اللون الأصفر أو الأبيض، هذا مع غسل الأيدي والأفواه بالماء المعطّر، ويؤدي كلّ من الرّجل والمرأة الصلاة بهيئة مختلفة عن الآخر، فالرّجل يجلس متربعاً والمرأة تجثو على ركبتيها، أمّا أداء الصلاة فيكون أداؤها كما يلي: «ليس في الهندوسية صلاة جامعة، ولا صلاة جماعة، فالصلاة كلّها فردية» كما ذكر شلبي، في كتابه أديان الهند الكبرى.
أمّا من ناحية الوقت، فقد جاء في منوسمرتي، أنهم يقيمونها في اليوم مرتين: صباحاً ومساءً، فصلاة الصبح عليه أن يؤديها وهو واقف على قدميه من انبلاج الفجر حتّى مطلع الشمس، ويقرأها في صلاة المساء، وهو جالس، إلى ظهور النجوم، فصلاة الصبح بهذه الطريقة تُذهب كلّ ذنوب الليل، وصلاة المساء تُذهب كلّ ذنوب النهار.
وقد تشدّد الهندوس في أمر الصلاة، وقد نصت منوسمرتي على طرد من لـم يؤدّها ويصبح من المنبوذين (الشودار) أو يُحرم من حقوق المولودين ثانية، أي من انتقلت إليهم روح كانت لها حياة سابقة.
ولشدّة ولع الهنود بالتنسك والاعتزال في الغابات وعلى ضفاف الأنهار، رأوا أنَّه «لا بأس بأن يقوم المرء بالعبادات حتّى ولو بقراءة كايتري وحدها، وذلك بالقرب من نهر أو غابة، وهو مطمئن البال، مستجمع الفكر».
ويستخدم الهندوس عند طقوسهم في معابدهم برفقة الكاهن، إضافة إلى الماء في الطهارة، النّار التي يوقدون بها البخور ومع ذلك الأزهار، والصلاة التي تؤدّى في المعابد تؤدّى ،كما يذكر شلبي، على الشكل التالي:
«يتلو الكاهن تعاويذه التقليدية، وبعدها يركع الشخص تحت قدمي الصنم متضرعاً... يتلو الكاهن الأدعية التقليدية... كلّ طبقة لها وضع خاص في الأدعية التي يتلوها الكاهن... في الختام يتلو الكاهن دعاءً مخصوصاً... يصلّي الشخص ثُمَّ يُرشُّ الماء ثُمَّ يخرج».
3 ـ إحراق الموتى: النفس هي الأساس في المفهوم الهندوسي، والبدن ليس له اعتبار كبير ضمن نظام التناسخ، فإنَّ النفس عندهم تنتقل في دورة الحياة من بدن إلى آخر طلباً للتزكية والتطهّر حتّى إذا ما تـمَّ لها ذلك توقف حلولها في الأبدان واتحدّت بالروح الكلية «النيرفانا».
لذلك اعتمدوا نظاماً قاسياً مع البدن في الحياة، وإذا ما مات المرء فيكون في طقوسهم إحراق جثمانه، ومن ثُمَّ وضع الرماد في أنبوب وإلقاء هذا الرماد في نهر الغانج، النهر المقدّس عندهم.
أمّا الإجراءات للحرق فهي كما حدّدها الدكتور شلبي كما يلي: «المقومات: النّار ـ الحطب ـ الجثة ـ الماء.
هذه الأشياء ينقلها أبناء الميّت تحت قدم الصنم.
طريقة التنفيذ: يغسل الميّت بالماء القراح ثُمَّ يُغسل مرة أخرى بالماء المعطر... كلّ الفتوح في الجسم تغلق تماماً. يحرق الجسم بالنّار المحترمة عندهم التي يقررها الكاهن... يلقى عليها الحطب الذي يعترف بأنَّه محترم عندهم... التراب المتخلّف (الرماد) من الحريق تتلى عليه التعاويذ والتراتيل الهندوسية»، ثُمَّ يتمّ وضعه في أنبوب لرميه بعدها في نهر الغانج.
4 ـ اليوغا: الإنسان في الهندوسية من نفس «آتمن» وجسده أشبه ما يكون بحاجز كثيف يمنع النفس من الانعتاق من توالي دورة الحياة عليها ليتحقّق الاتحاد بالروح الكلية أو بالإله برهما.
لذلك اعتمد الهندوس كما يقول السحمراني، مصطلح «كارما»؛ ويشير هذا المصطلح إلى نظريتهم في الولادة وتناسخ الأرواح بين الأبدان، ومصير الإنسان، خاصة النفس مرهون بأعمال الإنسان نفسه.
فإذا سلك الإنسان سُبُل الخير والعمل الصالح، وقام بواجباته الدينية بلغ الـ «موكشا» وانعتق من دورة الحياة والموت واتحدّ بالكلي «برهما».
وإذا سلك الإنسان طريق الشر والمفاسد وأهمل الواجب، بقيت روحه متنقلة من جسدٍ إلى آخر وتتكرر عليها دورة الحياة والموت.
لهذه الغاية عمد الهندوس إلى رياضة «اليوغا». وكلمة «يوغا» سنسكريتية معناها: النير، وفي ذلك إشارة إلى أنَّ هذه الرياضة «اليوغا» تحقّق خلاص النفس من نير الأبدان.
إنَّ براهما وآتمن (النفس) واحد، لذلك تكون اليوغا، كما يقول كولر، من أجل إعادة هذه اللحمة التي انفكَّت عند نزول النفس في بدن، فمطلب تحرير النفس لتتحدّ ببرهما إذن هو غاية اليوغا.
ويضيف في قوله: إنَّ العمل لملاشاة البدن وإطفاء نار الشهوة وإخمادها ليست كافية إن لـم يعرف الإنسان الحكمة وينتفي الجهل عنده، وعندما يتمّ إنجاز هذه الحكمة، لا تعود هناك معاناة، إذ لا يعود البوروشا (الروح) مرتبطاً على نحو خاطئ بالبراكريتي (المادة) المتغيِّر والمتعرِّض للمعاناة».
وبذلك يكون الوصول إلى رضوان الإلـه الخالق كما يقول شلبي هو الهدف، ووسيلة ذلك «ممارسة رياضة اليوغا (Catuyoga)، تلك الرياضة التي تقوم على أساس من التذكر والتفكير والصمت».
أما كولر فيقول إن اليوغا هي السبيل للخلاص من الآلام والبلايا تمهيداً لتحقيق النرفانا التي بها يتمّ الاتحاد والذوبان الكامل لآتمن (الروح) ببرهما.
وبذلك تنتهي اليوغا بالإنسان ـ كما يقول السحمراني ـ إلى خلاص من نير البدن، ومن نوازع الأنا ليكون محبّاً للنّاس جميعاً، هذه الدرجة الرفيعة تعطي لصاحبها لقب «مهاتما»، وهو لقب يطلق على الصلحاء والقديسين عند الهندوس، والكلمة بالأصل من مقطعين: آتما أو آتمن، أي الروح و «مها» معناه العظيم وبذلك يصبح مَنْ تحقّق له الخلاص صاحب الروح الأعظم.
5 ـ سَرادّة: Sraddha: وهي ـ كما ذكر البستاني في دائرة معارفه ـ لفظة هندية معناها الوضيمة وهي تُطلق على احتفال يجرونه في الهند للموتى ولأرواح الموتى، فإذا أجريت لشخص متوفٍ من مدّة قريبة يكون المقصود منها إيصال روحه إلى السَّماء وتسهيل قبولها بين الأرواح الخالصة المسماة بيرس، وعندهم أنَّ عدم إجراء هذا الاحتفال يُبقي الروح تائهة على وجه الأرض مع الأرواح النجسة، وأنَّ الذي يتأخر في أداء هذه الفروض نحو أقربائه المائتين تلعنه الآلهة والبشر وتبقى أرواح أقربائه محرومة مدّة سنوات معلومة من وليمة الأرواح الخالصة، والذي يموت بدون أن يترك ابناً ليتمّم بعده الفروض المأتمية يكون سبباً لطرد أرواح سلفائه من الجنَّة إلى الجحيم.
والبراهمة يجرون في أوّل كلّ شهر قمري سرّادات مشتركة عن أرواح سلفائهم عموماً ويقدّمون تقدمة يومية، ويقيمون كلّ شهر أو كلّ سنة سرّادات خصوصية لأقربائهم. وقد ورد في كتاب مانو تفصيل شريعة السرادّة عندهم، وذكر فيه أنَّ الذي يقدّم لأرواح الموتى أرزاً مسلوقاً في الحليب وعسلاً وزبدة مصفاة في أحد الأيام القمرية عندما يكون ظلّ الفيل متجهاً نحو الشرق يرضيها سنة كاملة والتقديمات الأخرى ترضيها شهرين أو ثلاثة أو أكثر حسب أنواعها، وتسر الأرواح مسرّة أبدية إذا قدّم لها لحم وحيد القرن أو سرطان البحر أو ما عزَّ صوفه يضرب إلى الحمرة أو عسل أو حبوب أكل منها ناسك، وبين هذه العوائد الهندية والعوائد اليونانية والرومانية مشابهة كلية، ولا يدعو الهنود إلى الوضائم سوى أشخاص طاهرين ومن الضرورة حضور برهميّ حاو كلّ الشروط المقتضاة، وحضور رجل واحد عارف بالكتب الدينية أفضل من حضور مليون رجل لا يعرفون بها وإذا لـم يكن للمتوفي ابن فالولد الذي يكون قد تبناه يتمّم فروض السرادّة وهذا مما يزيد تبنيه ثبوتاً.
6 ـ المرأة عند الهندوس: لم تتمتع المرأة في المجتمع الهندوسي بأي مكانة، بل كانت مسلوبة الحرية والحقوق بكل انواعها، وقد ورد في بعض النصوص في شرعهم أنه «لا تليق الحرية المطلقة بالمرأة قط، بل يجب أن يرعاها أبوها في صغرها وزوجها بعد ذلك وابنها في كبرها».
كما يجب عليها سواء كانت « صغيرة وشابّة أو مسنَّة ألا تعمل عملاً، ولو داخل دارها بمطلق إرادتها وحريتها، بل يجب أن تكون في صغرها تابعة لأبيها، وفي صباها لزوجها، وإذا مات زوجها فلإبنها، ولا تكون مطلقة الحرية».
كما فرضت الشريعة الهندوسية نظاماً سيئاً على المرأة جعلها أسيرة زوجها في شتى وجوه حياتها، وعليها أن تطيعه حتى لو كان منحرفاً وغير صالح، كما صورها المجتمع الهندوسي بأنها فاسدة ومفسدة حيث لامكان عندها للقيم والأخلاق، وبذلك دعا للتعامل معها بحذر«قد فطر النساء على إغراء الرجال، فعلى العقلاء أن يحذروهن، إنَّ في استطاعة النساء استهواء حتّى العلماء من الرجال، وجعلهم عبيد الهوى والغضب، بل الجهلاء منهم.
وتدعو الهندوسية الرّجل إلى عدم مواقعة زوجته، وهي في الحيض، لأن "وطء الحائض يذهب العقل والنشاط والقوّة والجمال، وبالاختصار إنَّه يضيع الحياة كلّها، أما اجتنابها وهي في حالة الحيض، فإن ذلك يزيد العقل والنشاط والقوّة والعمر.
والمرأة عند الهندوس لا تتاح لها فرصة التحصيل العلمي خاصة للفلسفة، لأنَّها لا تطيق ذلك ويقودها إلى الجنون. وكذلك يحرّمونها دراسة كتب الفيدا والويدا المقدسة عندهم. ينقل ديورانت في هذا: «ففي المهابهاراثا إذا درست المرأة كتب الفيدا كانت هذه علامة الفساد في المملكة. ويروي المجسطي عن أيام شاندرا جوبتا: إنَّ البراهمة يحولون بين زوجاتهم وبين دراسة الفلسفة؛ لأنَّ النساء إن عرفن كيف ينظرن إلى اللذّة والألـم، والحياة والحوت، نظرة فلسفية، أصابهن مسٌّ من جنون، أو أبَيْنَ بعد ذلك أن يظلّن على خضوعهن».
والهندوس ـ كما جاء في منوسمرتي ـ بشجعون على الزواج المبكر، ويعتبرون عدم الزواج عاراً، ومنذ الصغر يهتم الأهل بإتمام زواج أولادهم. والزواج يربط المرأة بزوجها رباطاً أبدياً، لذلك انتشر عندهم إذا مات الزوج قبل الزوجة أن تحرق الأرملة مع جثمان زوجها لأنَّه خير لها أن لا تبقى بعده.
ويدعون للتباعد في الزواج بحيث لا يتزوج الإنسان من قريباته، إن لجهة الأم أو الأب، ويضعون شروطاً قاسية تتعلق باختيار الزوجة.
وإذا كان موضوع حرق المرأة الأرملة مع جثمان زوجها قد توقف بشكل شبه نهائي بعد قانون أصدره المستعمرون الإنكليز سنة 1830، فإنَّ المرأة ظلّت محرومة من ميراث أبويها حتّى سنة 1956، حيث صدر قانون في الهند يعطيها هذا الحقّ ، إلاَّ أنَّ المرأة لـم تنتهِ معاناتها بعد في مجتمع الهند حيث لازالت مشكلة "الدوطة" التي على الأهل تأمينها تقف عائقاً أمام زواجها، وبعد تطوّر الفحص الجنيني قبل وضع الحمل لمعرفة جنس الجنين، ساعد على انتشار حركة وأد خطيرة للمولود الأنثى إمّا بالإجهاض أو بالدفن لحظة الولادة. وهذا ما تطلب من البرلمان الهندي أن يصدر في آب (أغسطس) من عام 1994م قانوناً يحظِّر إجراء الفحوص الطبية لتحديد نوع الجنين قبل ولادته.
وتعطي الهندوسية للرّجل حقَّ تطليق زوجته، وهذا الحقّ غير معطى لها، أمّا الأمور التي تبرّر له هذا الطلاق، فهي بحسب شرعهم في منُّوسَمَرتي محدّدة بالنص التالي: «يحقّ للرّجل أن يطلّق زوجته إذا ما ظهر له فيها عيب أو مرض أو أنَّها غير بكر، أو أنَّها أعطيت له بخدعة».
7 ـ من شرائع وتقاليد الهندوس: إنَّ تتبع نصوص شرع مانو أو منُّوسَمَرتي تبيِّن أنَّ الهندوس حريصون على نظام أخلاقي دقيق يتميَّز بالاحترام والفضائل، ومعظم ما يطرحونه في هذا الباب غير مخالف لما تأمر به الرسالات السَّماوية.
أول ذلك ما يأمرون به من احترام شديد لكبير السنّ، وما يطلبونه من الصغير من آداب يتعاطى من خلالها مع من هم أكبر منه،بأن يبدأ الكبار عندما يلقيهم بالسَّلام وأن يعرفهم نفسه، ومن لا يعرف ألفاظ السَّلام يستخدم مع الكبير تعبير تَمسْكار؛ أي أنحني أمامك.
ولم يقتصر هذا التكريم على العمر فقط، بل يتسع ليشمل الأمر مجموعة كبيرة من الأشخاص، «قف وعظِّم خالك وعمّك وحماك والعلماء الذين يقومون بالأعمال الدينية وأستاذك ولو كانوا أصغر منك سناً»..
وأعطى التشريع الهندوسي مكانة عظيمة للأبوين لما لهما من فضل في إعداد الأولاد وتربيتهم «ليس بالمستطاع مكافأة الأبوين، حتّى ولا بمئة سنة، على ما يقاسيانه من العذاب في نسل الأولاد... على التلميذ أن يقوم على خدمة الأبوين والأستاذ بما يرضيهم، وبذلك ينال ثواب عباداته كلّها... إنَّ طاعة هؤلاء الثلاثة هي خير العبادات، فعلى التلميذ ألاّ يقوم بعبادة ما رجاء الثواب وزيادة الحسنات إلاَّ بإذنهم».
فالوالدان والأستاذ هم أكثر من يحسن للإنسان ويسهم في تشكيل شخصيته، لذلك وجب عليه أن يبادلهما الإكرام والإجلال، وهذا الاحترام يعبَّر عنه بأسلوب المخاطبة وبالهيئة عند التخاطب مع الأستاذ.
والهندوسي عليه أن يسعى إلى النعيم الأخروي، وبذلك عليه أن يتحمّل الأذى في الدنيا، وأن لا يردّ الإساءة بمثلها.
وفي الهندوسية جملة وصايا تصبّ كلّها في مجرى اتباع الفضائل، وقد ركزت النصوص عندهم على عدم إذية الغير ولو أوذي، وأن لايحسدهم على ما آتاهم الله من فضله.
وتُحرّم الهندوسية القمار، وتطالب الحاكم أن يمنع القمار وكلّ أشكال الرهانات، وأن يعمل على معاقبة من يُمارس ذلك، ويعدون القمار كسباً غير مشروع، وهو من جملة أنواع السرقة.
وتستمر الهندوسية في تحريم ومحاربة النفاق والتدليس، وتحظّر التنجيم والارتزاق من خلاله، كما أنَّها تعاقب من لا يمارس عمله، خاصة الأطباء، بصدق وأمانة، وتطالب الحاكم بأن يلاحق هؤلاء وينـزل بهم العقاب المناسب لاستئصال الفساد من المجتمع، كما تحرم الرشوة والمكر والتدليس والمقامرة وسلوك طريق الخبث والنفاق والعيش بالتنجيم والشعوذة والمومسة والسرقة والغش، وتحرم إلى جانب ذلك السرقة والغش، وتعاقب على ارتكاب أي مما ورد من هذه الأمور.
وتحرِّم الهندوسية الخمر، لأنَّه نجس ومصدر للخبث «إنَّ الخمر نجسة كالإثـم، فعلى المولودين ثانية ألا يشربوها».
إنَّ ما ذكرناه، وهو يشكل بعض مواقف الشرع الهندوسي في مسألة الخلق والفضيلة والضبط الاجتماعي، يُظهر جلياً أنَّ الهندوسية تتمتع بنظام أخلاقي متقدّم وموضوعي ومفيد في ضبط المجتمع، ويلتقي في أغلب أسسه مع رسالات السَّماء.
وهكذا يمكننا أن نستنتج أن الهندوس يعتقدون بوجود ثالوث يعتبرون فيه أن برهم هو الأقنوم الأول الذي ينبثق من نفسه ثلاثة أقانيم كل مرة في أقنوم، وهذه الأقانيم تتجسد ببرهما وفيشنو وشيفا، وبعد ذلك بعددٍ لا حصر له من الآلهة، إلاَّ أنَّهم يقرّون لبرهما بأنَّه الأساس وأنَّه الخالق. أما من الناحية المجتمعية فإن الهندوسية تتميز بنظام طبقي جائر ومغلق، ينتمي فيه الأبناء حكماً إلى الطبقات التي ينتمي إليها الآباء، ما يجعل مسألة تكافؤ الفرص معدومة في هذا المجتمع ، وبالتالي تغيب عنه كلياً العدالة الاجتماعية، وأسوأ ما فيه هو تلك النظرة الدونية التي تنطلق من رؤيتهم لأصل الخلق الذي يجعل فئة الشودر في أدنى الهرم فيُصنفون عندهم كالعبيد ومهمتهم الخدمة، وبعبارة أخرى يشكلون طبقة المنبوذين في المجتمع، ولذلك جرت العديد من المحاولات لانصاف هؤلاء الشودر، ولكنها باءت بالفشل، ولم تحقق الآمال المرجوة منها.
ومما يجدر ذكره هو أن الهندوسية تحوي نظاماً أخلاقياً يتمسك بكثير من القيم والفضائل التي تدنو كثيراً مما تدعو له الرسالات السماوية، أو قل إنه يتمتع بمسحة انسانية عامة تجعل باب الحوار مفتوحاً للآخر الذي يعيش هم إرساء الفضيلة والقيمة.
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ،أما بعد:
فهذه ديانة وثنية وضعية ،ظلماء مظلمة بعيدة عن نور الوحي الإلهي ، تخبط تام واستحواذ شيطاني بهم ،وغريبة من غرائب الهند...
وقد عرضت قناة المجد برنامج يحكي ( غرائب الهند) والهندوسية تجده على هذا الرابط http://www.almoso3h.com/almjd-progra...hend/index.php
النشأة:
إنَّ الدارس لتاريخ الهند يجد صعوبة بالغة في تحديد حالات الاستقرار في الهند، ولكن الراجح أنَّها بدأت تشهد منذ الألف السادس قبل الميلاد حالات من هذا القبيل. لقد عرفت هجرات عديدة، وموجات من الشعوب، وإن كان الآريون الآتون من ضفاف بحر قزوين هم المجموعة الأبرز، والتي تبلورت معها أمور كثيرة في الهند ومنها الديانة الهندوسية.
وبعد جولات ونزاعات شهدت حالات من الكر والفر مع باقي موجات الشعوب، دخل الآريون ـ كما يقول السحمراني ـ في نسيج البلاد إلى حدّ أنَّ بعض المؤرخين قال: كلمة (آري) مأخوذة من اللغة السنسكريتية وهي لغة الهند ومعناها: الشريف.
ولم يلبث أن امتزج الآريون بالدرافيديين، الأمر الذي أثر في صنع نموذج الهند الديني، ومعتقده ومعبوده، واللفظ عندهم متقارب مع الكلمات الأوروبية بفعل وحدة المنشأ اللغوي والثقافي والسكاني، الإله عند الهنود هو (دافا Dava) وفي اللاتينية (Deus) وفي الفرنسية (Dieu) وهكذا.
أمّا الأدبيات الدينية الهندية فقد تـمَّ تدوينها على مراحل، ولـم تظهر أيّة مدونات قبل القرن الثامن قبل الميلاد وهي ما سمي بكتب (الفيدا) ومعناها "كتب الحكمة".
ومما يلفت الانتباه إليه هو أنه لـم تنسب أدبيات الهندوس لشخص بعينه بل هي، ، بل هي ثمرة تراث لشعوب تمازجت وانصهرت في بوتقة مجتمع واحد.
كانت الهندوسية تسمى قديماً درما Dhorma وهو الإسم الأصلي، وتسمى كذلك سانتانا Sentana، واتخذت حديثاً اسم الهندوسية، وباتت تشمل الحضارة والدين والعادات والتقاليد.
عقيدة الهندوس:
يقود البحث في عقيدة الهندوس في الألوهية إلى مزيد من التعقيد والإرباك، بحيث تطالعك المصادر والمراجع في الحديث عن آلاف الآلهة التي يقدسونها، واختصاص كلّ واحد منهم بمهمة.
ويبدو أن برهم يعتبر الإله الاساسي في عقيدة الهندوس وقد تحدث البستاني في دائرة معارفه عن أصله فقال: إنه من أصل فارسي مركب من كلمتين هما براي أي الارتفاع وماه أي عظيم أو ميه أي النشر والبسط كناية عن القبة المقعرة السموية التي لاتتغير شكلاً ولا وضعاً فإذاً هي غير متغيرة والنجوم الزاهرة هي تحتها، ويقال أن برهم حقيقة سنسكريتية وهي تحريف برماه وهي كلمة لا تأنيث فيها ولا تذكير فيكون المراد بها أن المعبود خنثى أي يمكن أن يجمع بين التذكير والتانيث أو يكون فاقداً لكليهما.
أما عن طبيعة الآلهة عند الهندوس يذكر ول ديورانت، في قصة الحضارة : «تزدحم بها مقبرة العظماء في الهند، ولو أحصينا أسماء هاتيك الآلهة لاقتضى ذلك مائة مجلد، وبعضها أقرب في طبيعته إلى الملائكة، وبعضها هو ما قد نسميه نحن بالشياطين، وطائفة منهم أجرام سماوية مثل الشمس، وطائفة منهم تمائم ... وكثير منها هي حيوانات الحقل أو طيور السَّماء، فالهندي لا يرى فارقاً بعيداً بين الحيوان والإنسان، فللحيوان روح كما للإنسان... وكلّ هذه الصنوف الإلهية قد نسجت خيوطها في شبكة واحدة لا نهاية لحدودها، هي (كارما)(1) وتناسخ الأرواح؛ فالفيل مثلاً قد أصبح الإله جانيشا واعتبروه ابن شيفا، وفيه تتجسّد طبيعة الإنسان الحيوانية... كذلك كانت القردة والأفاعي مصدر رعب، فكانت لذلك من طبيعة الآلهة؛ فالأفعى التي تؤدي عضة واحدة منها إلى موت سريع، واسمها ناجا، كان لها عندهم قدسية خاصة؛ وترى النّاس في كثير من أجزاء الهند يقيمون كلّ عام حفلاً دينياً تكريماً للأفاعي، ويقدّمون العطايا من اللبن والموز لأفاعي الناجا عند مداخل جحورها؛ كذلك أقيمت المعابد تمجيداً للأفاعي كما هي الحال في شرق ميسور».
وهذا العرض يخالف ما ذهب إليه البيروني من أنَّ عقيدة التوحيد هي القائمة وأنَّ الخالق منـزهٌ، حيث يقول «اعتقاد الهند في اللّه سبحانه أنَّه الواحد الأزلي من غير ابتداء ولا انتهاء، المختار في فعله، القادر الحكيم، الحي المحيي، المدبر المبقي، المفرد في ملكوته عن الأضداد والأنداد، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء... هو المستغني بأزليته ووحدانيته عن فعل المكافأة عليه براحة تؤمل وترتجى، أو شدّة تُخاف وتُتقى».
أما البستاني فيقول "إن برهم هو نفس برهم معبود الهنود بعد أن شرع في أعماله، وهو الأقنوم الأول من الثالوث الهندي أي أن برهم ينبثق من نفسه في ثلاثة أقانيم كل مرة في أقنوم، فالأقنوم الأول الذي يظهر به أول مرة هو برهما، والثاني وشنو، والثالث سيوا". ويذهب إلى قريب من هذا د. إحسان حقّي حيث يقول في مقدمة كتابهم المقدس (منُّوسَمَرتي) في نسخته المترجمة: «يعتقد الهنادكة بالوحدة وله ثلاثة أعوان يديرون ملكه وهم: برهما، وشنو (فشنو)، فهِيش (شيفا)».
ولعلّ الأقرب إلى الواقع ما ورد هو أنَّهم يقولون بالثالوث من الآلهة الذين تُسند لكلّ منهم مهمة بعينها، والثالوث يكون من: براهما ـ فيشنو ـ شيفا.
أ ـ براهما: يُطلق عليه اسم (سانج هيانج)، واسمه بالسانسكريتية: (UTPETI)، وهو الخالق، حسب معتقدهم، لذلك نسجوا حوله أسطورة تدور حول عملية الخلق، وقد جاء في كتاب عالم الأديان لحميد فوزي مانصه:
«ويعتقد أنهَّ خالق الكون على طريقته، فقد أخذ براهما يتأمّل ويفكِّر طويلاً فنشأ عن تفكيره هذا فكرة مخصَّبة، تطوّرت إلى بذرة ذهبية، ومن تلك البيضة ولد براهما، خالق كلّ شيء فهو الخالق والمخلوق»، ورغم هذا الموقع الذي يحتله براهما في عقيدة الهندوس إلاَّ أنَّه مهمل في شعائرهم وطقوسهم.
ب ـ فيشنو: ويسمونه الحافظ وطريقته الحفـاظ على العالـم وبلغتهـم يسمونـه (Sthiti). فيشنو كما يصفه، كولر، في كتابه الفكر الشرقي القديم، فهو إله ممتلئ بالحبّ الذي يغذي الحياة، ويبقي عليها، وكثيراً ما يصوّرونه على هيئة إنسان يجسّد الخير والعون للبشر، ويساعده في مهمته آلهة آخرون، وفق معتقدهم ومنهم: راما ـ وكرشنا، ويحتل فيشنو موقعاً متميزاً في الشعائر الهندوسية.
ج ـ شيفا: يُنسب إليه الفناء والدمار، وهو المهلك للعالـم ومهمته نقيض مهمة فيشنو، ويسمونه بلغتهم (Sang Kan Par an).
وشيفا في عقيدة الهندوس وكما ورد في قصة الحضارة لديورانت هو «إله القسوة والتدمير قبل كلّ شيء آخر؛ هو تجسيد لتلك القوّة الكونية التي تعمل، واحدة بعد أخرى، على تخريب جميع الصور التي تتبدى فيها حقيقة الكون، جميع الخلايا الحيّة وجميع الكائنات العضوية، وكلّ الأنواع، وكلّ الأفكار وكلّ ما أبدعته يد الإنسان، وكلّ الكواكب، وكلّ شيء».
والهندوس الذي يعتبرون شيفا عندهم إله الفناء والدمار، حاولوا أن يفسّروا ما يصدر عنه بأنَّه بحدّ ذاته رحمة، وفي الحديث عن شيفا قالوا كما جاء في كتاب الفكر الشرقي القديم لكولر: «إنَّه يقدّم النعمة الإلهية التي بمقتضاها يمكن إزالة ضروب الافتقار التي تلوث والتي تتجلّى في صورة نواقص وعيوب في النفس المقيدة. ويحمل شيفا في راحة يده اليسرى العليا لساناً من لهب يمثِّل القوى المدمّرة التي ارتبطت طويلاً بهذا الإله»، وهكذا ترتكز الديانة الهندوسية على ثالوث إلهي قوامه: خالق هو براهما، وحافظ هو فيشنو، ومدمّر مهلك هو شيفا. ولهذا الثالوث تجليات في آلهة أخرى مثل كرشنا وراما وبودا وكاليكي.
وإذا أردنا أن نعرف بعض وظائف هذه الآلهة عندهم، نراهم قد اعتبروا كرشنا آتياً من أجل إحلال السّلام، وبودا، أو يووهي، من أجل نشر المعرفة والتعليم الذي يقود إلى الطمأنينة. أمّا كاليكي Kaluki فهو الإله المنتظر عند الهندوس والذي لـم ينـزل بعد، ولـم يحن وقت تجليه.
مصير الانسان بعد الموت
أمّا بالنسبة لمصير الإنسان بعد الموت، فإنَّ الهندوسية ـ كما يقول الحمراني في كتاب من قاموس الأديان، بحث الهندوسية ـ لا تؤمن بحياة أخرى فيها جنّة ونار وثواب وعقاب، وإنَّما يرتبط مصير النفس بموضوع التناسخ، حيث تنتقل الأنفس من بدن إلى آخر، وأعمال الإنسان هي التي تحدِّد مصير النفس، فإذا سلك سبيل الخير واتّبع الفضائل انعتقت نفسه من دورة الحياة في الأبدان واتحدّت بالروح الكلية، وإلاَّ تبقى في هذه الدورة متنقلة من بدن إلى آخر.
لذلك يركز الهندوس اهتمامهم على النفس، لأنَّ النفس في معتقدهم يمكن أن ترقى إلى الكمال، أمّا البدن فسمته النقص، ولكي يحقّق الجسد درجة ما من التطهير ينبغي عليه أن يستغل وجود الروح فيه، ولهذا قالوا بحرق البدن عند الموت، والموت عندهم نهاية لا تجدّد لها.
فكلّ الحواس لا يمكن أن تؤدي وظائفها، إذا لـم تكن آتما، وهي النفس، صاحبة القيادة والإرادة؛ وذلك لأنَّ النفس آتما هذه أصلها من براهما Sang Hay ang الذي يعتبرها كقرص الشمس وهي شعاعه، تلك الأشعة التي تدخل في كلّ مكان على امتداد العمران والكرة الأرضية.
والنفس عند الهندوس بالرغم من أنَّها كاملة، ولكنَّها لا تخلد كجوهر مستقل، وإنَّما خلاصها يتمّ عن طريق ممارسة رياضة «اليوغا»، وهذه الرياضة منها قسوة على البدن وتعويد للنفس على الصبر والثبات، واليوجا كلمة سنسكريتية معناها «النير» وسميت كذلك لأنَّها تخلّص النفس من نير البدن ومن نير الشهوات.
واليوغا هي طريق لتسهيل الاتحاد بالنفس الكلية، عن طريق رياضة روحية وجسدية، أو عن طريق القرابين، وتذهب اليوجا إلى أنَّه لا تكفي حياة واحدة لإدراك هذا الاتحاد لأنَّه بحسب مبدأ الكارما قد تتطلب أفعال العبد السيئة ولادات متتالية في صور إنسانية أو حيوانية.
ما تقدّم يدفعنا إلى القول إلى أنَّ الهندوس لا يتوافقون مع الرسالات السَّماوية عموماً في مسألة الخالق وفي النظر إلى اليوم الآخر.
ومن مظاهر التقديس عند الهندوس، نهر الغانج الذي يحجون إليه سنوياً بقصد التطهر بمائه، وكذلك يلقون فيه رماد موتاهم بعد أن يتمّ إحراق أجسادهم، فالدفن للأبدان ليس معتمداً عندهم.
ويقدس الهندوس البقر ولا يأكلون لحومه، والأبقار تنتقل عندهم في شوارع المدن حيث تشاء، وبحرية تامة، لا يزعجها أحد، وقد حصل الكثير من حوادث القطارات والسير في الهند، نتيجة توقف سريع إكراماً لبقرة، والأبقار تنتقل عندهم في شوارع المدن حيث تشاء، ويأكلون اللبن فقط، ويستخدمون الروث وقوداً، أمّا البول فهو عندهم للعلاج أحياناً كالدواء، ويضعه الكهنة في أوعية ويرشونه على الجمهور بعد انتهاء طقوسهم في المعابد، أما إذا ماتت البقرة وجب دفنها بجلال الطقوس الدينية.
الكتب الهندوسية:
لـم تنسب النصوص المقدسة عند الهنود كما ذكرنا إلى شخص بعينه، والفيدا أو الويدا Weda التي تعني في لغة الهنود السنسكريتية المعرفة، هي عبارة عن مدونة كبرى أو موسوعة تحوي الكثير عن بلاد الهند وشعبها على امتداد قرون عديدة تبدأ مع حوالي 2500 ق.م.
والفيدا هذه مرّت بمراحل، فقبل أن تدون كان معناها التأمّل، ولكن بعد أن دوّنت وسجلت تاريخ الهند وتراثه ومفاهيم الهندوس الدينية، أصبحت هي التي تنظم حياة أتباعها وصولاً إلى المعرفة المنشودة.
ويرجح ديورانت أن أول من قام بمهمة التدوين للمرة الأولى بعض التجار الهنود من طائفة الدرافيديين، ما جعل هذه الكتابة كما يظهر لا تستخدم إلاَّ لأغراض تجارية وإدارية، وهذا يعني أن التجار لا الكهنة هم الذين ارتقوا بهذا الفن الأساسي.
وبناء على ذلك يصل السحمراني إلى نتيجة مفادها أنَّ تدوين الفيدا تطوّر مع تطوّر اللغة السنسكريتية نفسها، ولعلّ هذا التأخر في التدوين هو الذي حرّم الباحثين من مصادر المعرفة عن تاريخ الهند القديـم.
ويبدو أنَّ الكهنة الهندوس ـ البراهمة ـ قد شجعوا فيما بعد هذا التدوين لتكون الفيدات في أيديهم سلاحاً دينياً يضمن لهم السيطرة والموقع المتقدّم، خاصة بعد أن وطدوا أسس النظام الطبقي في الهند وأعطوه بعداً دينياً.
الفيدات كما يبدو لم تكن كتاباً واحدا،ً وإنَّما هي مجموعة كتب تصل إلى أربعة عشر كتاباً، وأهم هذه الكتب كتاب اسمه: «منُّوسَمَرتي» أو «شرع منُّو» وقد نقله إلى العربية إحسان حقّي، وفي تقديمه للكتاب يبيِّن ما في نصوص الكتاب من تشويش وعدم انسجام فيقول: «وإذا شئنا أن نصف منُّوسَمَرتي قلنا إنَّها مجموعة متناقضات، إذ بينما نراه يرتفع بتشريعه إلى أعلى درجات العقل والإدراك وسلامة الذوق والتفكير نراه ينحدر فجأة إلى درجةٍ من السخافة والإسفاف المخجل... ولئن دلَّ هذا على شيء فإنَّما يدلُّ على أنَّ هذا الكتاب كُتب في أوقات متباعدة وبأيدي أناس مختلفين اختلافاً كبيراً في العلم والعقل والإدراك».
نظام الطبقات عند الهندوس:
تدين غالبية الشعب الهندي بالهندوسية، التي تطوّرت مع تطوّر الهند نفسها، وكما سبق القول، فإنَّ الهندوسية ليست ديانة فحسب وإنَّما حوت من خلال مفاهيمها وكتبها، تاريخ الهند الحضاري.
وقد اختلط النظام الديني، كما يقول السحمراني، بمختلف الأنظمة من سياسي واجتماعي واقتصادي ولكي يضمن أصحاب النفوذ الديني وأصحاب النفوذ السياسي نفوذهم كرّسوا نظام طبقي اجتماعي يضمن لهم السيطرة، فكان من ذلك أن تبلور نظام الطبقات عند الهندوس، الذي وزّع الهنود في أربع طبقات مغلقة، ينتمي الأبناء بذلك إلى طبقات آبائهم حكماً.
الطبقات الأربع: يتكون المجتمع حسب الهندوسية من أربع طبقات هي: البراهمة، الكشاتريا، الويشاش، الشودر.
ومزاعم الهندوسية تصل إلى حدِّ التمييز في مصدر ما يتكوّن منه أهل كلّ طبقة, وفي شرع منُّو، المعروف باسم «منُّوسَمَرتي»، يقولون: «لسعادة العالـم خلق برهما البراهمة من وجهه، والكشتريين من ذراعيه، والويش من فخذيه، والشودر من قدميه».
ووصف البيروني حال هذه الطبقات بشكل لا يبعد عن المفهوم الوارد في "منوسمرتي"حيث يقول: «وهذه الطبقات في أوّل الأمر أربع، علياها البراهمة، قد ذُكر في كتبهم أنَّ خلقتهم كان من رأس براهم... والرأس علاوة الحيوان، فالبراهمة نقاوة الجنس، ولذلك صاروا عندهم خيرة الإنس، والطبقة التي تتلوهم كشتر خُلقوا بزعمهم من مناكب براهم ويديه ورتبتهم عن رتبة البراهمة غير متباعدة جداً، ودونهم بَيْش، خُلقوا من رجلي براهم. وهاتان المرتبتان الأخيرتان متقاربتان، وعلى تمايزهم تجمع المدن والقرى، أربعتهم مختلطي المساكن والدور».
أ ـ البراهمة: جاء في نصوصهم المقدّسة (منُّوسَمَرتي) أنَّ الإله الأكبر برهما قد «عهد إلى البراهمة بقراءة الويد وتعليمه والقيام بأعمال يكيه لأنفسهم ولغيرهم وخصهم بإعطاء الصدقات وقبولها».
وأبناء هذه الطبقة هم كما يقول كولر«من الكهنة والمعلمين الذي يعدُّون بصفة عامة حملة الثقافة، ومهماتهم هي الحفاظ على المعرفة والثقافة وإرضاء الآلهة, والحفاظ على العدالة والأخلاق».
ب ـ كشاتريا: الطبقة الثانية رتبة بعد البراهمة. تتولّى هذه الفئة مسألة الحفاظ على الأمن في البلاد، لذلك من الواجب أن يتميّز أبناؤها بالكفاءة السياسية والعسكرية معاً بحيث يكون لهم في المجتمع الإقدام والمهابة، ويقول جون كولر في تعريف الكشاتريا ما يلي: «وتتألف طبقة الكشاتريا من حماة المجتمع والقائمين على إدارة شؤونه، وهم حرَّاس باقي المجتمع، والقائمون على أمنه، وعلى تنفيذ القواعد المختلفة التي تقتضيها الوظائف الاجتماعية الضرورية، وجاء في الجيتا أنَّ البطولة والقوّة والاستقامة والحذق، وعدم الهرب حتّى في المعركة، والكرم والقيادة، تلك هي واجبات رجال الكشاتريا التي تولّدت من طبيعته».
وما يُناط بهذه الطبقة يستلزم، كما قال البيروني، أن يكون (الكشتر) «مهيباً في القلوب، شجاعاً، متعظماً، ذلق اللسان، سمح اليد، غير مبالٍ بالشدائد، حريصاً على تيسير الخطوب».
ج ـ الفايشاش أو الويش: مهمة هذه الطبقة أساسية في المجتمع يقع عليها توفير الأمن الغذائي وتأمين الرخاء والاستقرار المعيشي، والشأن الاقتصادي بيد هذه الطبقة، وعملهم هذا لايقومون به اختياراً بل تنص عليه (منُّوسَمَرتي)، أو (شرع منُّو) التي تقول: «وفرض على الويش سبعة أمور هي: حفظ الحيوانات ورعيها، وإعطاء الصدقات، والقيام بعبادة يكيه، وقراءة الويد، والعمل بالتجارة، والتعامل بالربا، والاشتغال بالزراعة».
وتحاول هذه الطبقة رفع مستواها رويداً رويداً، وتعمل على تحرير نفسها من قيود الحياة ومشاغل الأيام، ولكنَّها تظلّ خادمة للأمّة وللشعب، فهي المسؤولة عن الإنتاج والرخاء».
د ـ شودار: أو سودرا؛ وهذه أدنى طبقات المجتمع في هرم التوزيع الهندوسي، وهؤلاء أشبه ما يكونون بالعبيد، فواجبهم الخدمة والعمل وإنجاز كلّ ما يوكل لهم من الطبقات الأعلى. يقول البيروني: «ويكون شُودر مجتهداً في الخدمة والتملُّق، متحبباً إلى كلّ أحدٍ بها، وكلّ من هؤلاء إذا ثبت على رسمه وعادته نال الخير».
أمّا إذا لـم يقم بواجبه ناله العقاب، وقد نص شرع الهندوس (منُّوسَمَرتي) بشأن وظيفة هذه الطبقة بما يلي: «وفرض الإله الأعظم على الشودار أمراً واحداً وهو أن يقوم بإخلاص تام بخدمة هذه الفرق الثلاث»، ويقصد بها الطبقات السابقة الذكر وهم: البراهمة، الكشاتريا، والفايشاش.
أوجد هذا التقسيم الطبقي انقسامٍاً حادٍاً في المجتمع الهندي الذي يربطه الهندوس بأصل النشأة، وهذا يعني إقفال الطريق أمام الكفاءات والقدرات، وبالتالي فقدان العدالة، ما أدى إلى قيام العديد من المحاولات للتخلص من هذا النظام الطبقي الجائر، وكانت أبرز هذه المحاولات محاولة المهاتما غاندي، في أوائل القرن العشرين، ولكن المحاولة لم تحقق النتائج المرجوة، لأن التميز الطبقي متأصل في العقيدة، وفي المجتمع عند الهندوس.
شعائر وعبادات الهندوس:
1 ـ الطهارة: يُلاحظ أنَّ المواقع المقدّسة التي يحج إليها الهندوس تتوزّع على ضفاف الأنهار، وخاصة نهر الغانج الذي يُعتبر أكثر الأنهار قداسة، ويلقى فيه رماد موتاهم بعد حرق جثثهم، ويكتسي هذه الأهمية من كونه ينبع حسب زعمهم من تحت قدمي الإله الحافظ «فيشنو».
فالجنابة كما جاء في نصوص كتابهم منُّوسَمَرتي يتمّ التطهر منها بالاغتسال «إذا ما خرج المني من الإنسان فإنَّه يتطهر بالغسل»، كما أنَّ «المرء يطهر بالغسل إذا ما لامس شخصاً من الأسافل، أو امرأة حائضاً أو نفساء، أو جثمان ميّت أو لمس من قد لمس جثمان ميّت».
وعندهم أيضاً أنَّ دم الشهيد طهرٌ له وبالتالي لا يغسَّل، ويقولون في شرعهم: «وكلّ من يموت في معركة أو قتال أو يهلك بصاعقة أو دون بقرة أو برهمي، أو يقتل بأمر الملك، أو يريد الملك أن يكون طاهراً، لا يتنجس أحد بموته»، أما للمرأة فإنَّها «تطهر بعد الإجهاض بيوم عن كلّ شهر من أشهر الحمل، وتطهر بعد الحيض بالغسل».
والطهارة عند الهندوس على نوعين؛ حسيّ وهو الاغتسال بالماء، ومعنوي كطهارة الروح بالعلوم المقدسة والقلب بالعبادات، وهكذا...
2 ـ الصلاة: يُعتبر الاستحمام، وارتداء الثياب النظيفة ذات اللون الأصفر أو الأبيض، هذا مع غسل الأيدي والأفواه بالماء المعطّر، ويؤدي كلّ من الرّجل والمرأة الصلاة بهيئة مختلفة عن الآخر، فالرّجل يجلس متربعاً والمرأة تجثو على ركبتيها، أمّا أداء الصلاة فيكون أداؤها كما يلي: «ليس في الهندوسية صلاة جامعة، ولا صلاة جماعة، فالصلاة كلّها فردية» كما ذكر شلبي، في كتابه أديان الهند الكبرى.
أمّا من ناحية الوقت، فقد جاء في منوسمرتي، أنهم يقيمونها في اليوم مرتين: صباحاً ومساءً، فصلاة الصبح عليه أن يؤديها وهو واقف على قدميه من انبلاج الفجر حتّى مطلع الشمس، ويقرأها في صلاة المساء، وهو جالس، إلى ظهور النجوم، فصلاة الصبح بهذه الطريقة تُذهب كلّ ذنوب الليل، وصلاة المساء تُذهب كلّ ذنوب النهار.
وقد تشدّد الهندوس في أمر الصلاة، وقد نصت منوسمرتي على طرد من لـم يؤدّها ويصبح من المنبوذين (الشودار) أو يُحرم من حقوق المولودين ثانية، أي من انتقلت إليهم روح كانت لها حياة سابقة.
ولشدّة ولع الهنود بالتنسك والاعتزال في الغابات وعلى ضفاف الأنهار، رأوا أنَّه «لا بأس بأن يقوم المرء بالعبادات حتّى ولو بقراءة كايتري وحدها، وذلك بالقرب من نهر أو غابة، وهو مطمئن البال، مستجمع الفكر».
ويستخدم الهندوس عند طقوسهم في معابدهم برفقة الكاهن، إضافة إلى الماء في الطهارة، النّار التي يوقدون بها البخور ومع ذلك الأزهار، والصلاة التي تؤدّى في المعابد تؤدّى ،كما يذكر شلبي، على الشكل التالي:
«يتلو الكاهن تعاويذه التقليدية، وبعدها يركع الشخص تحت قدمي الصنم متضرعاً... يتلو الكاهن الأدعية التقليدية... كلّ طبقة لها وضع خاص في الأدعية التي يتلوها الكاهن... في الختام يتلو الكاهن دعاءً مخصوصاً... يصلّي الشخص ثُمَّ يُرشُّ الماء ثُمَّ يخرج».
3 ـ إحراق الموتى: النفس هي الأساس في المفهوم الهندوسي، والبدن ليس له اعتبار كبير ضمن نظام التناسخ، فإنَّ النفس عندهم تنتقل في دورة الحياة من بدن إلى آخر طلباً للتزكية والتطهّر حتّى إذا ما تـمَّ لها ذلك توقف حلولها في الأبدان واتحدّت بالروح الكلية «النيرفانا».
لذلك اعتمدوا نظاماً قاسياً مع البدن في الحياة، وإذا ما مات المرء فيكون في طقوسهم إحراق جثمانه، ومن ثُمَّ وضع الرماد في أنبوب وإلقاء هذا الرماد في نهر الغانج، النهر المقدّس عندهم.
أمّا الإجراءات للحرق فهي كما حدّدها الدكتور شلبي كما يلي: «المقومات: النّار ـ الحطب ـ الجثة ـ الماء.
هذه الأشياء ينقلها أبناء الميّت تحت قدم الصنم.
طريقة التنفيذ: يغسل الميّت بالماء القراح ثُمَّ يُغسل مرة أخرى بالماء المعطر... كلّ الفتوح في الجسم تغلق تماماً. يحرق الجسم بالنّار المحترمة عندهم التي يقررها الكاهن... يلقى عليها الحطب الذي يعترف بأنَّه محترم عندهم... التراب المتخلّف (الرماد) من الحريق تتلى عليه التعاويذ والتراتيل الهندوسية»، ثُمَّ يتمّ وضعه في أنبوب لرميه بعدها في نهر الغانج.
4 ـ اليوغا: الإنسان في الهندوسية من نفس «آتمن» وجسده أشبه ما يكون بحاجز كثيف يمنع النفس من الانعتاق من توالي دورة الحياة عليها ليتحقّق الاتحاد بالروح الكلية أو بالإله برهما.
لذلك اعتمد الهندوس كما يقول السحمراني، مصطلح «كارما»؛ ويشير هذا المصطلح إلى نظريتهم في الولادة وتناسخ الأرواح بين الأبدان، ومصير الإنسان، خاصة النفس مرهون بأعمال الإنسان نفسه.
فإذا سلك الإنسان سُبُل الخير والعمل الصالح، وقام بواجباته الدينية بلغ الـ «موكشا» وانعتق من دورة الحياة والموت واتحدّ بالكلي «برهما».
وإذا سلك الإنسان طريق الشر والمفاسد وأهمل الواجب، بقيت روحه متنقلة من جسدٍ إلى آخر وتتكرر عليها دورة الحياة والموت.
لهذه الغاية عمد الهندوس إلى رياضة «اليوغا». وكلمة «يوغا» سنسكريتية معناها: النير، وفي ذلك إشارة إلى أنَّ هذه الرياضة «اليوغا» تحقّق خلاص النفس من نير الأبدان.
إنَّ براهما وآتمن (النفس) واحد، لذلك تكون اليوغا، كما يقول كولر، من أجل إعادة هذه اللحمة التي انفكَّت عند نزول النفس في بدن، فمطلب تحرير النفس لتتحدّ ببرهما إذن هو غاية اليوغا.
ويضيف في قوله: إنَّ العمل لملاشاة البدن وإطفاء نار الشهوة وإخمادها ليست كافية إن لـم يعرف الإنسان الحكمة وينتفي الجهل عنده، وعندما يتمّ إنجاز هذه الحكمة، لا تعود هناك معاناة، إذ لا يعود البوروشا (الروح) مرتبطاً على نحو خاطئ بالبراكريتي (المادة) المتغيِّر والمتعرِّض للمعاناة».
وبذلك يكون الوصول إلى رضوان الإلـه الخالق كما يقول شلبي هو الهدف، ووسيلة ذلك «ممارسة رياضة اليوغا (Catuyoga)، تلك الرياضة التي تقوم على أساس من التذكر والتفكير والصمت».
أما كولر فيقول إن اليوغا هي السبيل للخلاص من الآلام والبلايا تمهيداً لتحقيق النرفانا التي بها يتمّ الاتحاد والذوبان الكامل لآتمن (الروح) ببرهما.
وبذلك تنتهي اليوغا بالإنسان ـ كما يقول السحمراني ـ إلى خلاص من نير البدن، ومن نوازع الأنا ليكون محبّاً للنّاس جميعاً، هذه الدرجة الرفيعة تعطي لصاحبها لقب «مهاتما»، وهو لقب يطلق على الصلحاء والقديسين عند الهندوس، والكلمة بالأصل من مقطعين: آتما أو آتمن، أي الروح و «مها» معناه العظيم وبذلك يصبح مَنْ تحقّق له الخلاص صاحب الروح الأعظم.
5 ـ سَرادّة: Sraddha: وهي ـ كما ذكر البستاني في دائرة معارفه ـ لفظة هندية معناها الوضيمة وهي تُطلق على احتفال يجرونه في الهند للموتى ولأرواح الموتى، فإذا أجريت لشخص متوفٍ من مدّة قريبة يكون المقصود منها إيصال روحه إلى السَّماء وتسهيل قبولها بين الأرواح الخالصة المسماة بيرس، وعندهم أنَّ عدم إجراء هذا الاحتفال يُبقي الروح تائهة على وجه الأرض مع الأرواح النجسة، وأنَّ الذي يتأخر في أداء هذه الفروض نحو أقربائه المائتين تلعنه الآلهة والبشر وتبقى أرواح أقربائه محرومة مدّة سنوات معلومة من وليمة الأرواح الخالصة، والذي يموت بدون أن يترك ابناً ليتمّم بعده الفروض المأتمية يكون سبباً لطرد أرواح سلفائه من الجنَّة إلى الجحيم.
والبراهمة يجرون في أوّل كلّ شهر قمري سرّادات مشتركة عن أرواح سلفائهم عموماً ويقدّمون تقدمة يومية، ويقيمون كلّ شهر أو كلّ سنة سرّادات خصوصية لأقربائهم. وقد ورد في كتاب مانو تفصيل شريعة السرادّة عندهم، وذكر فيه أنَّ الذي يقدّم لأرواح الموتى أرزاً مسلوقاً في الحليب وعسلاً وزبدة مصفاة في أحد الأيام القمرية عندما يكون ظلّ الفيل متجهاً نحو الشرق يرضيها سنة كاملة والتقديمات الأخرى ترضيها شهرين أو ثلاثة أو أكثر حسب أنواعها، وتسر الأرواح مسرّة أبدية إذا قدّم لها لحم وحيد القرن أو سرطان البحر أو ما عزَّ صوفه يضرب إلى الحمرة أو عسل أو حبوب أكل منها ناسك، وبين هذه العوائد الهندية والعوائد اليونانية والرومانية مشابهة كلية، ولا يدعو الهنود إلى الوضائم سوى أشخاص طاهرين ومن الضرورة حضور برهميّ حاو كلّ الشروط المقتضاة، وحضور رجل واحد عارف بالكتب الدينية أفضل من حضور مليون رجل لا يعرفون بها وإذا لـم يكن للمتوفي ابن فالولد الذي يكون قد تبناه يتمّم فروض السرادّة وهذا مما يزيد تبنيه ثبوتاً.
6 ـ المرأة عند الهندوس: لم تتمتع المرأة في المجتمع الهندوسي بأي مكانة، بل كانت مسلوبة الحرية والحقوق بكل انواعها، وقد ورد في بعض النصوص في شرعهم أنه «لا تليق الحرية المطلقة بالمرأة قط، بل يجب أن يرعاها أبوها في صغرها وزوجها بعد ذلك وابنها في كبرها».
كما يجب عليها سواء كانت « صغيرة وشابّة أو مسنَّة ألا تعمل عملاً، ولو داخل دارها بمطلق إرادتها وحريتها، بل يجب أن تكون في صغرها تابعة لأبيها، وفي صباها لزوجها، وإذا مات زوجها فلإبنها، ولا تكون مطلقة الحرية».
كما فرضت الشريعة الهندوسية نظاماً سيئاً على المرأة جعلها أسيرة زوجها في شتى وجوه حياتها، وعليها أن تطيعه حتى لو كان منحرفاً وغير صالح، كما صورها المجتمع الهندوسي بأنها فاسدة ومفسدة حيث لامكان عندها للقيم والأخلاق، وبذلك دعا للتعامل معها بحذر«قد فطر النساء على إغراء الرجال، فعلى العقلاء أن يحذروهن، إنَّ في استطاعة النساء استهواء حتّى العلماء من الرجال، وجعلهم عبيد الهوى والغضب، بل الجهلاء منهم.
وتدعو الهندوسية الرّجل إلى عدم مواقعة زوجته، وهي في الحيض، لأن "وطء الحائض يذهب العقل والنشاط والقوّة والجمال، وبالاختصار إنَّه يضيع الحياة كلّها، أما اجتنابها وهي في حالة الحيض، فإن ذلك يزيد العقل والنشاط والقوّة والعمر.
والمرأة عند الهندوس لا تتاح لها فرصة التحصيل العلمي خاصة للفلسفة، لأنَّها لا تطيق ذلك ويقودها إلى الجنون. وكذلك يحرّمونها دراسة كتب الفيدا والويدا المقدسة عندهم. ينقل ديورانت في هذا: «ففي المهابهاراثا إذا درست المرأة كتب الفيدا كانت هذه علامة الفساد في المملكة. ويروي المجسطي عن أيام شاندرا جوبتا: إنَّ البراهمة يحولون بين زوجاتهم وبين دراسة الفلسفة؛ لأنَّ النساء إن عرفن كيف ينظرن إلى اللذّة والألـم، والحياة والحوت، نظرة فلسفية، أصابهن مسٌّ من جنون، أو أبَيْنَ بعد ذلك أن يظلّن على خضوعهن».
والهندوس ـ كما جاء في منوسمرتي ـ بشجعون على الزواج المبكر، ويعتبرون عدم الزواج عاراً، ومنذ الصغر يهتم الأهل بإتمام زواج أولادهم. والزواج يربط المرأة بزوجها رباطاً أبدياً، لذلك انتشر عندهم إذا مات الزوج قبل الزوجة أن تحرق الأرملة مع جثمان زوجها لأنَّه خير لها أن لا تبقى بعده.
ويدعون للتباعد في الزواج بحيث لا يتزوج الإنسان من قريباته، إن لجهة الأم أو الأب، ويضعون شروطاً قاسية تتعلق باختيار الزوجة.
وإذا كان موضوع حرق المرأة الأرملة مع جثمان زوجها قد توقف بشكل شبه نهائي بعد قانون أصدره المستعمرون الإنكليز سنة 1830، فإنَّ المرأة ظلّت محرومة من ميراث أبويها حتّى سنة 1956، حيث صدر قانون في الهند يعطيها هذا الحقّ ، إلاَّ أنَّ المرأة لـم تنتهِ معاناتها بعد في مجتمع الهند حيث لازالت مشكلة "الدوطة" التي على الأهل تأمينها تقف عائقاً أمام زواجها، وبعد تطوّر الفحص الجنيني قبل وضع الحمل لمعرفة جنس الجنين، ساعد على انتشار حركة وأد خطيرة للمولود الأنثى إمّا بالإجهاض أو بالدفن لحظة الولادة. وهذا ما تطلب من البرلمان الهندي أن يصدر في آب (أغسطس) من عام 1994م قانوناً يحظِّر إجراء الفحوص الطبية لتحديد نوع الجنين قبل ولادته.
وتعطي الهندوسية للرّجل حقَّ تطليق زوجته، وهذا الحقّ غير معطى لها، أمّا الأمور التي تبرّر له هذا الطلاق، فهي بحسب شرعهم في منُّوسَمَرتي محدّدة بالنص التالي: «يحقّ للرّجل أن يطلّق زوجته إذا ما ظهر له فيها عيب أو مرض أو أنَّها غير بكر، أو أنَّها أعطيت له بخدعة».
7 ـ من شرائع وتقاليد الهندوس: إنَّ تتبع نصوص شرع مانو أو منُّوسَمَرتي تبيِّن أنَّ الهندوس حريصون على نظام أخلاقي دقيق يتميَّز بالاحترام والفضائل، ومعظم ما يطرحونه في هذا الباب غير مخالف لما تأمر به الرسالات السَّماوية.
أول ذلك ما يأمرون به من احترام شديد لكبير السنّ، وما يطلبونه من الصغير من آداب يتعاطى من خلالها مع من هم أكبر منه،بأن يبدأ الكبار عندما يلقيهم بالسَّلام وأن يعرفهم نفسه، ومن لا يعرف ألفاظ السَّلام يستخدم مع الكبير تعبير تَمسْكار؛ أي أنحني أمامك.
ولم يقتصر هذا التكريم على العمر فقط، بل يتسع ليشمل الأمر مجموعة كبيرة من الأشخاص، «قف وعظِّم خالك وعمّك وحماك والعلماء الذين يقومون بالأعمال الدينية وأستاذك ولو كانوا أصغر منك سناً»..
وأعطى التشريع الهندوسي مكانة عظيمة للأبوين لما لهما من فضل في إعداد الأولاد وتربيتهم «ليس بالمستطاع مكافأة الأبوين، حتّى ولا بمئة سنة، على ما يقاسيانه من العذاب في نسل الأولاد... على التلميذ أن يقوم على خدمة الأبوين والأستاذ بما يرضيهم، وبذلك ينال ثواب عباداته كلّها... إنَّ طاعة هؤلاء الثلاثة هي خير العبادات، فعلى التلميذ ألاّ يقوم بعبادة ما رجاء الثواب وزيادة الحسنات إلاَّ بإذنهم».
فالوالدان والأستاذ هم أكثر من يحسن للإنسان ويسهم في تشكيل شخصيته، لذلك وجب عليه أن يبادلهما الإكرام والإجلال، وهذا الاحترام يعبَّر عنه بأسلوب المخاطبة وبالهيئة عند التخاطب مع الأستاذ.
والهندوسي عليه أن يسعى إلى النعيم الأخروي، وبذلك عليه أن يتحمّل الأذى في الدنيا، وأن لا يردّ الإساءة بمثلها.
وفي الهندوسية جملة وصايا تصبّ كلّها في مجرى اتباع الفضائل، وقد ركزت النصوص عندهم على عدم إذية الغير ولو أوذي، وأن لايحسدهم على ما آتاهم الله من فضله.
وتُحرّم الهندوسية القمار، وتطالب الحاكم أن يمنع القمار وكلّ أشكال الرهانات، وأن يعمل على معاقبة من يُمارس ذلك، ويعدون القمار كسباً غير مشروع، وهو من جملة أنواع السرقة.
وتستمر الهندوسية في تحريم ومحاربة النفاق والتدليس، وتحظّر التنجيم والارتزاق من خلاله، كما أنَّها تعاقب من لا يمارس عمله، خاصة الأطباء، بصدق وأمانة، وتطالب الحاكم بأن يلاحق هؤلاء وينـزل بهم العقاب المناسب لاستئصال الفساد من المجتمع، كما تحرم الرشوة والمكر والتدليس والمقامرة وسلوك طريق الخبث والنفاق والعيش بالتنجيم والشعوذة والمومسة والسرقة والغش، وتحرم إلى جانب ذلك السرقة والغش، وتعاقب على ارتكاب أي مما ورد من هذه الأمور.
وتحرِّم الهندوسية الخمر، لأنَّه نجس ومصدر للخبث «إنَّ الخمر نجسة كالإثـم، فعلى المولودين ثانية ألا يشربوها».
إنَّ ما ذكرناه، وهو يشكل بعض مواقف الشرع الهندوسي في مسألة الخلق والفضيلة والضبط الاجتماعي، يُظهر جلياً أنَّ الهندوسية تتمتع بنظام أخلاقي متقدّم وموضوعي ومفيد في ضبط المجتمع، ويلتقي في أغلب أسسه مع رسالات السَّماء.
وهكذا يمكننا أن نستنتج أن الهندوس يعتقدون بوجود ثالوث يعتبرون فيه أن برهم هو الأقنوم الأول الذي ينبثق من نفسه ثلاثة أقانيم كل مرة في أقنوم، وهذه الأقانيم تتجسد ببرهما وفيشنو وشيفا، وبعد ذلك بعددٍ لا حصر له من الآلهة، إلاَّ أنَّهم يقرّون لبرهما بأنَّه الأساس وأنَّه الخالق. أما من الناحية المجتمعية فإن الهندوسية تتميز بنظام طبقي جائر ومغلق، ينتمي فيه الأبناء حكماً إلى الطبقات التي ينتمي إليها الآباء، ما يجعل مسألة تكافؤ الفرص معدومة في هذا المجتمع ، وبالتالي تغيب عنه كلياً العدالة الاجتماعية، وأسوأ ما فيه هو تلك النظرة الدونية التي تنطلق من رؤيتهم لأصل الخلق الذي يجعل فئة الشودر في أدنى الهرم فيُصنفون عندهم كالعبيد ومهمتهم الخدمة، وبعبارة أخرى يشكلون طبقة المنبوذين في المجتمع، ولذلك جرت العديد من المحاولات لانصاف هؤلاء الشودر، ولكنها باءت بالفشل، ولم تحقق الآمال المرجوة منها.
ومما يجدر ذكره هو أن الهندوسية تحوي نظاماً أخلاقياً يتمسك بكثير من القيم والفضائل التي تدنو كثيراً مما تدعو له الرسالات السماوية، أو قل إنه يتمتع بمسحة انسانية عامة تجعل باب الحوار مفتوحاً للآخر الذي يعيش هم إرساء الفضيلة والقيمة.