الجمعة، 13 مايو 2011 -
قال توم ريلى نائب السفير البريطانى لدى القاهرة، إنهم يتشاركون الذنب مع من ارتكبوا أحداث العنف فى إمبابة الأسبوع الماضى، إذا ظلوا واقفين أماكنهم دون مساعدة مصر فى تخطى تلك الفترة.
وأشار ريلى فى مدونته التى تحمل عنوان (القبح الطائفى: فرصة أخيرة للإصلاح؟) إلى المسئولية المعنوية التى تحملها بلاده تجاه مصر، باعتبارها صديق ومعجب بما تم تحقيقه فى 25 يناير الماضى.
وننشر نص المدونة بالكامل فيما يلى:
القبح الطائفى: فرصة أخيرة للإصلاح؟
خلال اليومين الماضيين غيرت خط سير رحلتى بالدراجة فى توجهى إلى مكان عملى لكى أمر أمام مبنى التليفزيون فى ماسبيرو، هذا المبنى، الذى يبدو قبيحا فى أحسن حالاته ويقع على الكورنيش متمتعا بإطلالة رائعة على النيل، يحيط به الآن كوردون من شرطة الشغب وكميات من الأسلاك الشائكة، وحول المبنى من جميع الجوانب، على الأرصفة، وفى الطريق، وعلى المقاعد، وفوق جزيرة الطريق يجلس الناس بعضهم تحت خيام بسيطة مؤقتة مصنوعة من الملاءات القديمة، وبعضهم يربضون فقط تحت ملاءات تغطى رؤوسهم.
كان هذا الصباح هادئا على نحو غير عادى، التوتر محسوس فى الجو، لم يكن هناك تقريبا أى أحد يتكلم على الإطلاق، بدت الشرطة متوترة فى صفوفها، لا أحد يبتسم. جلس رجل على سور النيل ممسكا بقطعة مرآة مكسورة بيده اليسرى وبشفرة حلاقة فى يده اليمنى فى تركيز بالغ. كانت هناك لافتات مرفوعة وشعارات تردد: "ربنا راعينا" و"بالدم نفدى الصليب" و"ليس للجيش سلطة، السلطة الوحيدة من الرب". لقد ذهب الأقباط إلى المكان ويبدون مصممين على البقاء.
ذهبت إلى إمبابة اليوم وتجولت بها. بدا هناك نفس الهدوء الصامت، ولكن الجيش كان هناك بأعداد كبيرة وعدد عربات الجنود المدرعة المتراصة فى الشوارع ينفى هذا الهدوء. هناك توتر مضغوط فى الجو؛ وقد تم إغلاق الشارع الرئيسى المواجه للكنيسة التى تم حرقها. بدت الكنيسة شاحبة ومهجورة، وشهدت واجهتها المسودة فى صمت على فظاعة مساء السبت، وبدت نوافذها المظلمة الخالية من الزجاج كأفواه خرساء تصرخ على من فى الشارع تحتها وتتوسل لإنقاذها. لم يسمح لى الجيش بالمرور بالرغم من محاولاتى القوية: شعرت بأن رفضهم اللطيف والمهذب والحازم للغاية فى نفس الوقت كان مشوبا بالرعب: بدوا وكأنهم يقولون – هذا موقف يتمايل عند حافة الفوضى.
عدت بذاكرتى لأيام الثورة التى كان لها تأثير بالغ على النفس. تذكرت مئات الآلاف فى التحرير عندما كان المسيحى يقف كتفا بكتف مع المسلم، والرجل والمرأة يقفان جنبا إلى جنب، عندما كان الأطفال الصغار جدا على الفهم يُرفعون فوق رؤوس آبائهم الفرحين المفعمين بالأمل والذين كانوا شديدى الإصرار على وجود هؤلاء الأطفال معهم وهم يتطلعون فى أمل نحو مستقبل أكثر إشراقا. فكرت فى وحدة الهدف هذه، فى روح التحرير، وأنا أنظر إلى هؤلاء البشر البؤساء المنكمشين فوق الرصيف فى تصميم على أن يجدوا من يدافع عنهم. قال لى أحد الرجال إنه ذهب إلى التحرير، وإنه بكى دموع الفرح عند سقوط مبارك، وإنه اعتقد أن وقت ازدهار مصر قد حان أخيرا، وحلم بالمستقبل العظيم الذى يسوده التآلف. أخبرنى بأنه أحضر ابنه ذا الستة أشهر إلى الميدان، وسحب فى يده ابنته ذات الأعوام الأربعة، ووقف طوال اليوم، حاملا أحد الطفلين بين ذراعيه والآخر على كتفيه، مستمتعا بالأمل: ثم قال "أتمنى الآن لو أن الحزب الوطنى الديمقراطى عاد، لم يكن أمن الدولة ليسمح بحدوث هذا أبدا".
نظريات مؤامرة كثيرة تشرح ما حدث من عنف: لم يكن البلطجية الذى أشعلوا النيران فى كنيستى إمبابة سلفيين بل كانوا من أنصار الحزب الوطنى الديمقراطى؛ المتطرفون المصريون ليسوا مسئولين بل هناك قوى خارجية ما قد تدخلت. بل ويؤكد البعض أنه لا يوجد توتر طائفى فى مصر. ولكن الحقائق الواضحة تبقى: لقد مات 12 شخصا وأصيب أكثر من 200 فى أحداث عنف بين مسيحيين ومسلمين مساء يوم السبت.
إن انعدام اليقين السياسى والاقتصادى، الذى هو نتيجة طبيعية لمثل ذلك التغيير العميق الذى مرت به مصر على مدى الأيام المائة الماضية يختلط بالحيرة حول كيف يمكن أن يكون هذا قد حدث فى بلد لديها بالرغم من التوترات تاريخ يزيد عن ألف عام من التعايش السلمى المذهل، حيث يعود الوجود القبطى فى مصر إلى القرن الأول الميلادى، ونشأت المجتمعات المسلمة هنا فى وقت مبكر هو عام 650 بعد الميلاد.
كان رد فعل الغالبية العظمى فى البلد جديرا بالإعجاب؛ قدر ضخم من الإدانة وتصميم حديدى على عدم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى. هدد المجلس العسكرى الحاكم بعقاب شديد القسوة لأى شخص يثير الفتن؛ تسابق الزعماء الدينيون على شجب العنف؛ قدمت المؤسسات الخيرية الأموال للمساعدة فى إعادة بناء الكنائس. كان رد فعل مصر مشابها بعد تفجير كنيسة الإسكندرية فى بداية العام الحالى، فقد التف المسلمون حول الكنائس القبطية فى عيد الميلاد كدرع بشرى، من الصعب التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك، ولكننى آمل أن تكون موجة الاشمئزاز الشعبى كافية للتخلص من التوتر وأن يستطيع الزعماء استعادة السيطرة على تابعيهم وأن يحل الحوار الناضج العاقل محل ما يتم الصياح به من أحاديث أحادية الطرف.
وأيا كان ما سيحدث بعد ذلك فإن الكثيرين يشعرون بأن الضرر قد وقع بالفعل. يشعر بعض الأقباط، الذين يشكلون 10% من تعداد مصر- ممن تحدثت إليهم بأنهم فى مشكلة وأنهم معرضين للخطر ومتخلى عنهم: بعضهم الآن يطلبون الحماية الدولية. يقتطع كل هجوم من روح المجتمع، وتنشأ الحواجز النفسية، وتذوى الثقة.
رد الفعل على ما حدث خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضى هو مسئولية مصر. يجب أن يكون رد فعل بقيادة مصرية وتفكير مصرى، ولكن المجتمع الدولى لا يمكن أن يكون متفرجا فقط. كأصدقاء ومعجبين بما تم إنجازه بين 25 يناير و11 فبراير، نحن نحمل مسئولية معنوية تجاه تقديم المساعدة لمصر – سواء فى صورة مشورة حول تشكيل لجان صلح أو حول تشريعات جديدة تتعلق بتكافؤ الفرص، أما إذا لم نفعل ذلك ووقفنا متفرجين فقط ننتقد من وراء الخط، وسامحين بذبول التفاؤل وضياع الفرصة التى أتاحها ميدان التحرير فنحن نشترك بذلك فى الذنب مع من قاموا بإلقاء قنابل النيران أو أطلقوا الرصاص خلال عطلة نهاية الأسبوع.
أحداث العنف فى إمبابة
قال توم ريلى نائب السفير البريطانى لدى القاهرة، إنهم يتشاركون الذنب مع من ارتكبوا أحداث العنف فى إمبابة الأسبوع الماضى، إذا ظلوا واقفين أماكنهم دون مساعدة مصر فى تخطى تلك الفترة.
وأشار ريلى فى مدونته التى تحمل عنوان (القبح الطائفى: فرصة أخيرة للإصلاح؟) إلى المسئولية المعنوية التى تحملها بلاده تجاه مصر، باعتبارها صديق ومعجب بما تم تحقيقه فى 25 يناير الماضى.
وننشر نص المدونة بالكامل فيما يلى:
القبح الطائفى: فرصة أخيرة للإصلاح؟
خلال اليومين الماضيين غيرت خط سير رحلتى بالدراجة فى توجهى إلى مكان عملى لكى أمر أمام مبنى التليفزيون فى ماسبيرو، هذا المبنى، الذى يبدو قبيحا فى أحسن حالاته ويقع على الكورنيش متمتعا بإطلالة رائعة على النيل، يحيط به الآن كوردون من شرطة الشغب وكميات من الأسلاك الشائكة، وحول المبنى من جميع الجوانب، على الأرصفة، وفى الطريق، وعلى المقاعد، وفوق جزيرة الطريق يجلس الناس بعضهم تحت خيام بسيطة مؤقتة مصنوعة من الملاءات القديمة، وبعضهم يربضون فقط تحت ملاءات تغطى رؤوسهم.
كان هذا الصباح هادئا على نحو غير عادى، التوتر محسوس فى الجو، لم يكن هناك تقريبا أى أحد يتكلم على الإطلاق، بدت الشرطة متوترة فى صفوفها، لا أحد يبتسم. جلس رجل على سور النيل ممسكا بقطعة مرآة مكسورة بيده اليسرى وبشفرة حلاقة فى يده اليمنى فى تركيز بالغ. كانت هناك لافتات مرفوعة وشعارات تردد: "ربنا راعينا" و"بالدم نفدى الصليب" و"ليس للجيش سلطة، السلطة الوحيدة من الرب". لقد ذهب الأقباط إلى المكان ويبدون مصممين على البقاء.
ذهبت إلى إمبابة اليوم وتجولت بها. بدا هناك نفس الهدوء الصامت، ولكن الجيش كان هناك بأعداد كبيرة وعدد عربات الجنود المدرعة المتراصة فى الشوارع ينفى هذا الهدوء. هناك توتر مضغوط فى الجو؛ وقد تم إغلاق الشارع الرئيسى المواجه للكنيسة التى تم حرقها. بدت الكنيسة شاحبة ومهجورة، وشهدت واجهتها المسودة فى صمت على فظاعة مساء السبت، وبدت نوافذها المظلمة الخالية من الزجاج كأفواه خرساء تصرخ على من فى الشارع تحتها وتتوسل لإنقاذها. لم يسمح لى الجيش بالمرور بالرغم من محاولاتى القوية: شعرت بأن رفضهم اللطيف والمهذب والحازم للغاية فى نفس الوقت كان مشوبا بالرعب: بدوا وكأنهم يقولون – هذا موقف يتمايل عند حافة الفوضى.
عدت بذاكرتى لأيام الثورة التى كان لها تأثير بالغ على النفس. تذكرت مئات الآلاف فى التحرير عندما كان المسيحى يقف كتفا بكتف مع المسلم، والرجل والمرأة يقفان جنبا إلى جنب، عندما كان الأطفال الصغار جدا على الفهم يُرفعون فوق رؤوس آبائهم الفرحين المفعمين بالأمل والذين كانوا شديدى الإصرار على وجود هؤلاء الأطفال معهم وهم يتطلعون فى أمل نحو مستقبل أكثر إشراقا. فكرت فى وحدة الهدف هذه، فى روح التحرير، وأنا أنظر إلى هؤلاء البشر البؤساء المنكمشين فوق الرصيف فى تصميم على أن يجدوا من يدافع عنهم. قال لى أحد الرجال إنه ذهب إلى التحرير، وإنه بكى دموع الفرح عند سقوط مبارك، وإنه اعتقد أن وقت ازدهار مصر قد حان أخيرا، وحلم بالمستقبل العظيم الذى يسوده التآلف. أخبرنى بأنه أحضر ابنه ذا الستة أشهر إلى الميدان، وسحب فى يده ابنته ذات الأعوام الأربعة، ووقف طوال اليوم، حاملا أحد الطفلين بين ذراعيه والآخر على كتفيه، مستمتعا بالأمل: ثم قال "أتمنى الآن لو أن الحزب الوطنى الديمقراطى عاد، لم يكن أمن الدولة ليسمح بحدوث هذا أبدا".
نظريات مؤامرة كثيرة تشرح ما حدث من عنف: لم يكن البلطجية الذى أشعلوا النيران فى كنيستى إمبابة سلفيين بل كانوا من أنصار الحزب الوطنى الديمقراطى؛ المتطرفون المصريون ليسوا مسئولين بل هناك قوى خارجية ما قد تدخلت. بل ويؤكد البعض أنه لا يوجد توتر طائفى فى مصر. ولكن الحقائق الواضحة تبقى: لقد مات 12 شخصا وأصيب أكثر من 200 فى أحداث عنف بين مسيحيين ومسلمين مساء يوم السبت.
إن انعدام اليقين السياسى والاقتصادى، الذى هو نتيجة طبيعية لمثل ذلك التغيير العميق الذى مرت به مصر على مدى الأيام المائة الماضية يختلط بالحيرة حول كيف يمكن أن يكون هذا قد حدث فى بلد لديها بالرغم من التوترات تاريخ يزيد عن ألف عام من التعايش السلمى المذهل، حيث يعود الوجود القبطى فى مصر إلى القرن الأول الميلادى، ونشأت المجتمعات المسلمة هنا فى وقت مبكر هو عام 650 بعد الميلاد.
كان رد فعل الغالبية العظمى فى البلد جديرا بالإعجاب؛ قدر ضخم من الإدانة وتصميم حديدى على عدم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى. هدد المجلس العسكرى الحاكم بعقاب شديد القسوة لأى شخص يثير الفتن؛ تسابق الزعماء الدينيون على شجب العنف؛ قدمت المؤسسات الخيرية الأموال للمساعدة فى إعادة بناء الكنائس. كان رد فعل مصر مشابها بعد تفجير كنيسة الإسكندرية فى بداية العام الحالى، فقد التف المسلمون حول الكنائس القبطية فى عيد الميلاد كدرع بشرى، من الصعب التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك، ولكننى آمل أن تكون موجة الاشمئزاز الشعبى كافية للتخلص من التوتر وأن يستطيع الزعماء استعادة السيطرة على تابعيهم وأن يحل الحوار الناضج العاقل محل ما يتم الصياح به من أحاديث أحادية الطرف.
وأيا كان ما سيحدث بعد ذلك فإن الكثيرين يشعرون بأن الضرر قد وقع بالفعل. يشعر بعض الأقباط، الذين يشكلون 10% من تعداد مصر- ممن تحدثت إليهم بأنهم فى مشكلة وأنهم معرضين للخطر ومتخلى عنهم: بعضهم الآن يطلبون الحماية الدولية. يقتطع كل هجوم من روح المجتمع، وتنشأ الحواجز النفسية، وتذوى الثقة.
رد الفعل على ما حدث خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضى هو مسئولية مصر. يجب أن يكون رد فعل بقيادة مصرية وتفكير مصرى، ولكن المجتمع الدولى لا يمكن أن يكون متفرجا فقط. كأصدقاء ومعجبين بما تم إنجازه بين 25 يناير و11 فبراير، نحن نحمل مسئولية معنوية تجاه تقديم المساعدة لمصر – سواء فى صورة مشورة حول تشكيل لجان صلح أو حول تشريعات جديدة تتعلق بتكافؤ الفرص، أما إذا لم نفعل ذلك ووقفنا متفرجين فقط ننتقد من وراء الخط، وسامحين بذبول التفاؤل وضياع الفرصة التى أتاحها ميدان التحرير فنحن نشترك بذلك فى الذنب مع من قاموا بإلقاء قنابل النيران أو أطلقوا الرصاص خلال عطلة نهاية الأسبوع.
أحداث العنف فى إمبابة