2011-05-19
في ظل موجة الاحتجاجات التي يشهدها المغرب من أجل تحقيق ملكية برلمانية يسود فيها القانون والحق، يتفاجأ الرأي العام المغربي بتسلم الرباط من مجلس التعاون الخليجي دعوة للانضمام إلى المجلس رفقة الأردن. وبقدر ما كانت الدعوة مفاجئة لأسباب متعددة، بقدر ما كان تجاوب الرباط السريع مثيرا بدروه، حيث سارع وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري للعاصمة الرياض لمناقشة آليات العلاقة المستقبلية.
وإذا كانت دعوة الأردن مفهومة سياسيا وجغرافيا بحكم النظام القبلي للبلد وتقاسمه الحدود مع السعودية، الدولة الأكبر وزنا سياسيا في المجلس، فإن المغرب وإن كانت تجمعه بعض القواسم بهذه الدول، فإن قواسم أخرى سياسية وثقافية واقتصادية وإثنية تبعده عن النسيج الخليجي وتجعله مختلفا عنه بشكل كبير.
وعمليا، فقد جرى تفسير الدعوة بكونها سعيا الى إنشاء ناد للأنظمة الملكية لمواجهة تسونامي التغيير الذي يهدد الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي، حيث لا يستبعد الباحثون والمراقبون انتقال عدوى التغيير من الأنظمة الجمهورية الدكتاتورية إلى الأنظمة الملكية التي لا تقل عنها دكتاتورية، إذا لم تبادر بإصلاحات حقيقية تجعلها قريبة من ملكيات أوروبا، مثل اسبانيا وهولندا وبريطانيا، بدل الاستمرار في التشبث بتقاليد قروسطوية تجاوزتها الأزمنة. فإيقاع الاحتجاجات غير متحكم فيه في العالم العربي، ولم تعد أي دولة في منأى عن موجة التغيير، والأنظمة الخليجية تتابع بقلق تطور الاحتجاجات في كل من المغرب والأردن، حيث مفاهيم الاحتجاج بدأت تتطور من إسقاط الفساد إلى إسقاط الاستبداد، ولم يعد يفصلها سوى هامش محتشم للمطالبة بإسقاط النظام، وإن كان هذا الشعار قد بدأ يتردد، ولكن بشكل محدود في بعض التظاهرات في المغرب. وأكد الأمير المغربي مولاي هشام في حوار مع مجلة 'الإكسبرس' الفرنسية على هشاشة الملكية الأردنية لافتقارها العمق التاريخي، مما يجعلها مفتوحة على المجهول إذا لم يعالج الملك عبد الله الثاني المطالب الشعبية بذكاء. وكما تتعرض الأنظمة الجمهورية العربية لنظرية الدومينو، أي عدوى السقوط المتتالي، فسقوط ملكية واحدة من الثلاث قد يعني مباشرة سقوط الأخريات.
وكما كانت دواعي تأسيس مجلس التعاون الخليجي منذ ثلاثة عقود ردا على التحدي الذي شكلته الثورة الإيرانية وقتها، فأسباب سياسية وأمنية تقف وراء توسيع حظيرة المجلس في الوقت الراهن، وعلى رأسها احتمال لجوء الخليج للقوات المغربية والأردنية للمساهمة في مواجهة أي اعتداء إيراني محتمل. وإذا كان التهديد الإيراني موجودا منطقيا منذ ثلاثة عقود وليس بالجديد، فيجب البحث عن أسباب أخرى من ضمنها تأثير الثورات المطالبة بالديمقراطية على الأنظمة الملكية، ويذهب عدد من التفسيرات، سواء في العالم العربي أو في الغرب الى هذا المنحنى. ويأخذ هذا التأويل قوته الحججية من اقتصار دعوة الانضمام على نظامين ملكيين، الأردن والمغرب الذي يبعد 5200 كلم عن الخليج وجرى استثناء اليمن الواقع في شبه الجزيرة العربية والذي طلب الانضمام منذ سنين عديدة.
ودعوة من هذا النوع تحمل في طياتها بوادر استراتيجية، ومنذ البدء خلفت ردود فعل صادرة عن فاعلين سياسيين محليين، أي على المستوى المغرب ودوليين وأساسا على مستوى دول الجوار أو تلك التي تربطها علاقات مع المغرب.
فقد جرى الحديث في البدء عن موقف متحفظ من طرف المغرب الرسمي، حتى أن الناطق الرسمي باسم حكومة الرباط، خالد الناصري أبدى دهشته ولم يعرب عن مشاعر الترحيب في البدء، وركز على اتحاد المغرب العربي، لكن العارفين بطريقة عمل دبلوماسية المغرب لم يندهشوا، فملف من هذا النوع يتولاه القصر من دون إخبار الحكومة. في الوقت ذاته، لن يقدم المجلس الخليجي على توجيه دعوة للمغرب من دون وضع ترتيبات أولية ناتجة عن مشاورات مسبقة. وعمليا، فدعوة الانضمام تمت يوم الثلاثاء الماضي، وأربعة أيام بعد ذلك، حل وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري بالعاصمة الرياض لبحث الترتيبات الكاملة بشأن نوعية العلاقة بين الطرفين.
وعلى المستوى المغربي، هناك أربعة مواقف ليست بالضرورة متوافقة في ما بينها وهي:
في المقام الأول، موقف الملكية المغربية التي ترى في انضمامها إلى مجلس التعاون الخليج العربي تعزيزا لمكانة المغرب الدولية كجسر بين الخليج العربي والاتحاد الأوروبي، وهو الدور الذي كان يلعبه الملك الراحل الحسن الثاني في الماضي، حيث كان المخاطب الرئيسي لهذه الدول مع فرنسا وإسبانيا والمفوضية الأوروبية. كما تجد الملكية المغربية في دول الخليج خير مساند اقتصادي للمغرب في هذه الظروف الحرجة التي تتعرض فيها لضغط هائل من الشعب لتحقيق إصلاحات تستهدف تقليص صلاحيات الملك أساسا. ورغم أن الملك محمد السادس يفضل الوجهة الأوروبية، فالوضع الحالي في بلاده يفرض عليه البراغماتية، ومن ضمن هذه البراغماتية جذب الاستثمارات الخليجية لمواجهة أزمة البطالة.
في المقام الثاني، موقف رجال الأعمال الذين يرون في الخليج العربي سوقا ضخمة بعدما تراجعت المعاملات التجارية مع الاتحاد الأوروبي بسبب الأزمة التي تعصف بعدد من دول هذا التكتل.
في المقام الثالث، موقف متحفظ يقترب من الرفض وهو صادر عن القوى الحقوقية والأحزاب التقدمية التي تجد الامتداد الحقيقي للمغرب في اتحاد المغرب العربي ونحو الدول الأوروبية بدل الانضمام إلى تجمع يصفونه بالقروسطوي، حيث يتم الدوس على أبسط حقوق المهاجرين المغاربة في هذه الدول.
في المقام الرابع، موقف الرفض المطلق المعبر عنه من الكثير من الحركات الأمازيغية التي تحّمل تخلف المغرب لارتباطه بالثقافة العربية، إذ وصف أحد زعماء هذا التيار وهو أحمد الدغرني انضمام المغرب بمثابة تعرض البلاد لاستعمار جديد، وهذه المرة خليجي.
والواقع أن الرأي العام المغربي متحفظ على الدعوة التي وجهها مجلس التعاون الخليجي للمغرب وقد يكون وراء هذا الرفض الشعور بأنها دعوة تروم إلى عرقلة مساعي إقامة ديمقراطية حقيقية، بحكم أن المؤسسة الملكية المغربية في حالة الانضمام لن تذهب بعيدا في الإصلاحات حتى لا تحرج مثيلاتها الخليجية. وفي الوقت نفسه، قد يكون الرفض ناتجا عن الصورة السلبية التي للمغاربة عن الخليجيين. وتزخر مواقع الصحافة الرقمية المغربية مثل هيسبريس ولكم ودومان أونلاين بتعليقات القراء التي تؤكد الرفض لهذا الانضمام أو وضع القوات المغربية في خدمة الخليجيين لمواجهة إيران. وفي سياق تبلور مطالب الإصلاح السياسي في المغرب من قبل حركات الشباب والفعاليات السياسية المطالبة بالتغيير، قد رأت أن قرار التجاوب المغربي الإيجابي مع هذه الدعوة الخليجية كان الأحرى أن يتم عبر التشاور أولا مع الشعب المغربي والأخذ برأي فعالياته السياسية والثقافية في شأن قبول الانضمام من عدمه.
وعلى المستوى الدولي الإقليمي، فدعوة المغرب لكي يصبح عضوا في مجلس التعاون الخليجي بدأت تخلف ردود فعل في دول الجوار. فعبد العزيز بلخدام الممثل الشخصي للرئيس لجزائري عبد العزيز بوتفليقة أعرب عن استغراب بلاده لدعوة الخليج بانضمام المغرب وفي هذا الوقت الذات.
ومن جانبها، تولي اسبانيا اهتماما خاصا بالدعوة التي وجهت إلى المغرب لكي يصبح عضوا في مجلس التعاون الخليجي، ورغم أن خبراء اسبانيا في العالم العربي يعتبرون الانضمام محاولة دفاعية من طرف الملكيات في مواجهة الثورات، كما ذهب إلى ذلك الباحث دومنغو ديل بينو، فمدريد تعالج هذا الانضمام من زاوية دبلوماسية وأمنية واقتصادية ارتباطا بما قد تقدمه هذه الدول للمغرب في حالة اندلاع أزمة بين الرباط ومدريد.
ولم يصدر أي موقف رسمي أو غير رسمي عن فرنسا التي تعد الحليف الاستراتيجي الرئيسي سياسيا وأمنيا واقتصاديا للمغرب، وإن كان الرأي السائد هو ترحيب باريس بهذا الانضمام، لأن المغرب كما كان في الماضي بوابة نحو الخليج، وقد يصبح بوابة نحو المنطقة انطلاقا من عشرات الشركات الفرنسية الكبرى المتمركزة في هذا البلد المغاربي.
وبدوره، تجاهل البيت الأبيض الأمريكي الحدث وإن كان منطقيا سيرحب به لأنه سيشكل مساندة سياسية متبادلة بين المغرب ودول الخليج، التي تعتبر من أبرز حلفاء الولايات المتحدة في العالم.
وتأتي هذه الاتفاقية لتبرز ثنائية الأمن والاقتصاد، فالأنظمة الملكية تحتاج لمساندة متبادلة في هذه الأوقات الحرجة، حيث تقدم الملكيتان المغربية والأردنية الخبرة الأمنية والعسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي، بينما تعرض الأخيرة الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية لامتصاص الاضطرابات الاجتماعية في المغرب والأردن.
وفي الوقت ذاته، فهذه المبادرة السياسية تحمل في طياتها بوادر جيوسياسية تتعلق بمستقبل التكتل العربي، فهي تحمل موت الجامعة العربية. ولعل الثورات العربية الحالية حكمت بالجمود على الجامعة العربية، جمود من الصعب أن تخرج منه، وإن خرجت منه فستعيش على إيقاع المواجهة بين أنظمة ملكية تقليدية، جزء منها لا يمتلك قراره السياسي، وبين جمهوريات عربية جديدة مثل مصر وتونس وربما اليمن وسورية وليبيا منبثقة عن الثورات، وتأخذ بعين الاعتبار مشاعر شعوبها التي ترفض القرارات التي تملى من الخارج.
في ظل موجة الاحتجاجات التي يشهدها المغرب من أجل تحقيق ملكية برلمانية يسود فيها القانون والحق، يتفاجأ الرأي العام المغربي بتسلم الرباط من مجلس التعاون الخليجي دعوة للانضمام إلى المجلس رفقة الأردن. وبقدر ما كانت الدعوة مفاجئة لأسباب متعددة، بقدر ما كان تجاوب الرباط السريع مثيرا بدروه، حيث سارع وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري للعاصمة الرياض لمناقشة آليات العلاقة المستقبلية.
وإذا كانت دعوة الأردن مفهومة سياسيا وجغرافيا بحكم النظام القبلي للبلد وتقاسمه الحدود مع السعودية، الدولة الأكبر وزنا سياسيا في المجلس، فإن المغرب وإن كانت تجمعه بعض القواسم بهذه الدول، فإن قواسم أخرى سياسية وثقافية واقتصادية وإثنية تبعده عن النسيج الخليجي وتجعله مختلفا عنه بشكل كبير.
وعمليا، فقد جرى تفسير الدعوة بكونها سعيا الى إنشاء ناد للأنظمة الملكية لمواجهة تسونامي التغيير الذي يهدد الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي، حيث لا يستبعد الباحثون والمراقبون انتقال عدوى التغيير من الأنظمة الجمهورية الدكتاتورية إلى الأنظمة الملكية التي لا تقل عنها دكتاتورية، إذا لم تبادر بإصلاحات حقيقية تجعلها قريبة من ملكيات أوروبا، مثل اسبانيا وهولندا وبريطانيا، بدل الاستمرار في التشبث بتقاليد قروسطوية تجاوزتها الأزمنة. فإيقاع الاحتجاجات غير متحكم فيه في العالم العربي، ولم تعد أي دولة في منأى عن موجة التغيير، والأنظمة الخليجية تتابع بقلق تطور الاحتجاجات في كل من المغرب والأردن، حيث مفاهيم الاحتجاج بدأت تتطور من إسقاط الفساد إلى إسقاط الاستبداد، ولم يعد يفصلها سوى هامش محتشم للمطالبة بإسقاط النظام، وإن كان هذا الشعار قد بدأ يتردد، ولكن بشكل محدود في بعض التظاهرات في المغرب. وأكد الأمير المغربي مولاي هشام في حوار مع مجلة 'الإكسبرس' الفرنسية على هشاشة الملكية الأردنية لافتقارها العمق التاريخي، مما يجعلها مفتوحة على المجهول إذا لم يعالج الملك عبد الله الثاني المطالب الشعبية بذكاء. وكما تتعرض الأنظمة الجمهورية العربية لنظرية الدومينو، أي عدوى السقوط المتتالي، فسقوط ملكية واحدة من الثلاث قد يعني مباشرة سقوط الأخريات.
وكما كانت دواعي تأسيس مجلس التعاون الخليجي منذ ثلاثة عقود ردا على التحدي الذي شكلته الثورة الإيرانية وقتها، فأسباب سياسية وأمنية تقف وراء توسيع حظيرة المجلس في الوقت الراهن، وعلى رأسها احتمال لجوء الخليج للقوات المغربية والأردنية للمساهمة في مواجهة أي اعتداء إيراني محتمل. وإذا كان التهديد الإيراني موجودا منطقيا منذ ثلاثة عقود وليس بالجديد، فيجب البحث عن أسباب أخرى من ضمنها تأثير الثورات المطالبة بالديمقراطية على الأنظمة الملكية، ويذهب عدد من التفسيرات، سواء في العالم العربي أو في الغرب الى هذا المنحنى. ويأخذ هذا التأويل قوته الحججية من اقتصار دعوة الانضمام على نظامين ملكيين، الأردن والمغرب الذي يبعد 5200 كلم عن الخليج وجرى استثناء اليمن الواقع في شبه الجزيرة العربية والذي طلب الانضمام منذ سنين عديدة.
ودعوة من هذا النوع تحمل في طياتها بوادر استراتيجية، ومنذ البدء خلفت ردود فعل صادرة عن فاعلين سياسيين محليين، أي على المستوى المغرب ودوليين وأساسا على مستوى دول الجوار أو تلك التي تربطها علاقات مع المغرب.
فقد جرى الحديث في البدء عن موقف متحفظ من طرف المغرب الرسمي، حتى أن الناطق الرسمي باسم حكومة الرباط، خالد الناصري أبدى دهشته ولم يعرب عن مشاعر الترحيب في البدء، وركز على اتحاد المغرب العربي، لكن العارفين بطريقة عمل دبلوماسية المغرب لم يندهشوا، فملف من هذا النوع يتولاه القصر من دون إخبار الحكومة. في الوقت ذاته، لن يقدم المجلس الخليجي على توجيه دعوة للمغرب من دون وضع ترتيبات أولية ناتجة عن مشاورات مسبقة. وعمليا، فدعوة الانضمام تمت يوم الثلاثاء الماضي، وأربعة أيام بعد ذلك، حل وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري بالعاصمة الرياض لبحث الترتيبات الكاملة بشأن نوعية العلاقة بين الطرفين.
وعلى المستوى المغربي، هناك أربعة مواقف ليست بالضرورة متوافقة في ما بينها وهي:
في المقام الأول، موقف الملكية المغربية التي ترى في انضمامها إلى مجلس التعاون الخليج العربي تعزيزا لمكانة المغرب الدولية كجسر بين الخليج العربي والاتحاد الأوروبي، وهو الدور الذي كان يلعبه الملك الراحل الحسن الثاني في الماضي، حيث كان المخاطب الرئيسي لهذه الدول مع فرنسا وإسبانيا والمفوضية الأوروبية. كما تجد الملكية المغربية في دول الخليج خير مساند اقتصادي للمغرب في هذه الظروف الحرجة التي تتعرض فيها لضغط هائل من الشعب لتحقيق إصلاحات تستهدف تقليص صلاحيات الملك أساسا. ورغم أن الملك محمد السادس يفضل الوجهة الأوروبية، فالوضع الحالي في بلاده يفرض عليه البراغماتية، ومن ضمن هذه البراغماتية جذب الاستثمارات الخليجية لمواجهة أزمة البطالة.
في المقام الثاني، موقف رجال الأعمال الذين يرون في الخليج العربي سوقا ضخمة بعدما تراجعت المعاملات التجارية مع الاتحاد الأوروبي بسبب الأزمة التي تعصف بعدد من دول هذا التكتل.
في المقام الثالث، موقف متحفظ يقترب من الرفض وهو صادر عن القوى الحقوقية والأحزاب التقدمية التي تجد الامتداد الحقيقي للمغرب في اتحاد المغرب العربي ونحو الدول الأوروبية بدل الانضمام إلى تجمع يصفونه بالقروسطوي، حيث يتم الدوس على أبسط حقوق المهاجرين المغاربة في هذه الدول.
في المقام الرابع، موقف الرفض المطلق المعبر عنه من الكثير من الحركات الأمازيغية التي تحّمل تخلف المغرب لارتباطه بالثقافة العربية، إذ وصف أحد زعماء هذا التيار وهو أحمد الدغرني انضمام المغرب بمثابة تعرض البلاد لاستعمار جديد، وهذه المرة خليجي.
والواقع أن الرأي العام المغربي متحفظ على الدعوة التي وجهها مجلس التعاون الخليجي للمغرب وقد يكون وراء هذا الرفض الشعور بأنها دعوة تروم إلى عرقلة مساعي إقامة ديمقراطية حقيقية، بحكم أن المؤسسة الملكية المغربية في حالة الانضمام لن تذهب بعيدا في الإصلاحات حتى لا تحرج مثيلاتها الخليجية. وفي الوقت نفسه، قد يكون الرفض ناتجا عن الصورة السلبية التي للمغاربة عن الخليجيين. وتزخر مواقع الصحافة الرقمية المغربية مثل هيسبريس ولكم ودومان أونلاين بتعليقات القراء التي تؤكد الرفض لهذا الانضمام أو وضع القوات المغربية في خدمة الخليجيين لمواجهة إيران. وفي سياق تبلور مطالب الإصلاح السياسي في المغرب من قبل حركات الشباب والفعاليات السياسية المطالبة بالتغيير، قد رأت أن قرار التجاوب المغربي الإيجابي مع هذه الدعوة الخليجية كان الأحرى أن يتم عبر التشاور أولا مع الشعب المغربي والأخذ برأي فعالياته السياسية والثقافية في شأن قبول الانضمام من عدمه.
وعلى المستوى الدولي الإقليمي، فدعوة المغرب لكي يصبح عضوا في مجلس التعاون الخليجي بدأت تخلف ردود فعل في دول الجوار. فعبد العزيز بلخدام الممثل الشخصي للرئيس لجزائري عبد العزيز بوتفليقة أعرب عن استغراب بلاده لدعوة الخليج بانضمام المغرب وفي هذا الوقت الذات.
ومن جانبها، تولي اسبانيا اهتماما خاصا بالدعوة التي وجهت إلى المغرب لكي يصبح عضوا في مجلس التعاون الخليجي، ورغم أن خبراء اسبانيا في العالم العربي يعتبرون الانضمام محاولة دفاعية من طرف الملكيات في مواجهة الثورات، كما ذهب إلى ذلك الباحث دومنغو ديل بينو، فمدريد تعالج هذا الانضمام من زاوية دبلوماسية وأمنية واقتصادية ارتباطا بما قد تقدمه هذه الدول للمغرب في حالة اندلاع أزمة بين الرباط ومدريد.
ولم يصدر أي موقف رسمي أو غير رسمي عن فرنسا التي تعد الحليف الاستراتيجي الرئيسي سياسيا وأمنيا واقتصاديا للمغرب، وإن كان الرأي السائد هو ترحيب باريس بهذا الانضمام، لأن المغرب كما كان في الماضي بوابة نحو الخليج، وقد يصبح بوابة نحو المنطقة انطلاقا من عشرات الشركات الفرنسية الكبرى المتمركزة في هذا البلد المغاربي.
وبدوره، تجاهل البيت الأبيض الأمريكي الحدث وإن كان منطقيا سيرحب به لأنه سيشكل مساندة سياسية متبادلة بين المغرب ودول الخليج، التي تعتبر من أبرز حلفاء الولايات المتحدة في العالم.
وتأتي هذه الاتفاقية لتبرز ثنائية الأمن والاقتصاد، فالأنظمة الملكية تحتاج لمساندة متبادلة في هذه الأوقات الحرجة، حيث تقدم الملكيتان المغربية والأردنية الخبرة الأمنية والعسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي، بينما تعرض الأخيرة الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية لامتصاص الاضطرابات الاجتماعية في المغرب والأردن.
وفي الوقت ذاته، فهذه المبادرة السياسية تحمل في طياتها بوادر جيوسياسية تتعلق بمستقبل التكتل العربي، فهي تحمل موت الجامعة العربية. ولعل الثورات العربية الحالية حكمت بالجمود على الجامعة العربية، جمود من الصعب أن تخرج منه، وإن خرجت منه فستعيش على إيقاع المواجهة بين أنظمة ملكية تقليدية، جزء منها لا يمتلك قراره السياسي، وبين جمهوريات عربية جديدة مثل مصر وتونس وربما اليمن وسورية وليبيا منبثقة عن الثورات، وتأخذ بعين الاعتبار مشاعر شعوبها التي ترفض القرارات التي تملى من الخارج.