٢٣/ ٤/ ٢٠١١
مرة أخرى يتحدث إلينا، ولكن تلك المرة تختلف عن سابقتها.. الأولى كانت فى شهر ديسمبر الماضى حين التقينا القيادى الإخوانى إبراهيم صلاح المقيم فى سويسرا منذ عام ١٩٥٧، كان حذرًا فى حديثه، موجزاً فى ردوده، وبخاصة تلك التى تتعلق بالإخوان وعلاقاته السياسية والمخابراتية فى الخارج، ونظرة الغرب للإسلام السياسى، ولكن اليوم تحدث لنا برغبة فى كشف بعض الأسرار، فاتحاً الباب بعض الشىء لنجد الإجابة عن تساؤلاتنا، فكشف عن صفقة لشراء بنادق قناصة سويسرية فى الأيام الأولى للثورة، تقدم بها السفير المصرى هناك، وتم رفضها من قبل سويسرا، وحكى للمرة الأولى سر الدَّين الإيرانى على مصر، الذى اشتراه جمال مبارك من الإيرانيين مقابل ٥% من قيمته، ووقعه عنه محمد إبراهيم كامل، وتحدث عن لقاءات التيار الإسلامى فى الكثير من الدول العربية بمسؤولين سويسريين ومن الاتحاد الأوروبى والمخابرات الأمريكية للتعرف على رؤيتهم.. تحدث عن الكثير والكثير لـ«المصرى اليوم».. فإلى نص الحوار:
■ أثناء الثورة أعلنت سويسرا تجميد حسابات «مبارك» وأسرته.. لكنه أنكر وجود حسابات له فى الخارج.. كيف تفسر ذلك؟
- لقد حاول «مبارك» بكلمته استدرار تعاطف المصريين، وكسب بعض الشعبية، ولكن أثناء الثورة أعلن المتحدث الرسمى باسم الحكومة السويسرية تجميد عشرات الملايين باسم «مبارك»، ذلك غير الشركات غير المنسوبة له، ولكن هناك شكوكاً حول ملكيته لها، فالقانون السويسرى أتاح لهم تجميد أصول «بن على» و«مبارك» عقب اندلاع الأحداث فى تونس ومصر دون انتظار مطلب رسمى، ولكن القانون لا يبيح لهم تسليمها إلا بعد انتخاب حكومة شرعية تثبت أن تلك الأموال منهوبة من الشعب فتتم إعادتها، وكذلك الحال مع الاتحاد الأوروبى، ولم تكن سويسرا وحدها من أعلنت، ولكن نشرت جريدة «الجارديان» قبل تنحى «مبارك» تقريرًا مفصلا عن ثروته وقدرتها بنحو ٧٠ مليار دولار، ومعروف أن قوانين النشر الإنجليزية من أصعب قوانين النشر فى العالم، ولا تستطيع صحيفة بحجم «الجارديان» المجازفة بسمعتها بنشر خبر كاذب.
■ يتهم البعض جمال مبارك بالتربح من شراء ديون مصر ثم استعادتها من الحكومة المصرية كاملة.. ما صحة ذلك؟
- هذه حقيقة، وأساس ثروة جمال مبارك جاء من شراء الديون التى كانت على مصر لبعض الدول، ولدى أجهزة المخابرات الأوروبية جميع المعلومات عن ثروة «مبارك» وأسرته، وجزء منها يتعلق بشراء الديون، وأنا شخصيا حدث معى موقف بخصوص هذا الأمر فى بداية التسعينيات، عندما اتصل بى مجموعة من المصريين أحدهم يُدعى عمر سيد الأهل، وأخبرونى أن إيران تسعى لبيع الدين الذى تدين به مصر بقيمة مليار دولار، كانت منحت بها مصر فى عهد الشاه أتوبيسات إيرانية، وطلبوا منى شراء الدين، فاتصلت بالسفير الإيرانى فى سويسرا وعرضت الأمر عليه، فحدد لى موعدا مع أحد المسؤولين بوزارة المالية الإيرانية فى طهران، وسافرت للقائه وكان يدعى السيد «نواب»،
واتفقنا على دفع ٧% من قيمة الدين «كاش» ونقداً مع منحهم ضماناً بنكياً بالمبلغ، بعدها بعدة أيام اتصل بى السيد «نواب»، وطلب لقائى مرة أخرى، فذهبت له وأخبرنى أن عرضى كان أفضل العروض، لكنهم تلقوا اتصالا من شخص قال لهم إنه موظف فى «سيتى بنك» بلندن، وإن اسمه جمال مبارك، وهو نجل الرئيس المصرى، وأعرب لهم عن رغبته فى شراء الدين مقابل نحو ٥% من قيمته على أن يتم سداده على شكل بضائع، ووعدهم بتسهيل الطريق لإعادة العلاقات بين طهران والقاهرة.
وتأكد الإيرانيون من المعلومات عبر سفارتهم فى لندن، ثم رأوا أن مصلحتهم السياسية تحتم إتمام الصفقة بعد موافقة رافسنجانى ومجلس الوزراء، وبدأوا المفاوضات مع جمال مبارك الذى أرسل محمد إبراهيم كامل للتوقيع على العقد، وهكذا اشترى جمال مبارك الدين المصرى لإيران وباتت مصر مدينة له بمليار دولار بفوائدها حصّلها فيما بعد، ومنح هو الإيرانيين بضائع وماكينات بقيمة ٥% من الدين.
■ وما صحة ما نشرته بعض المواقع من أخبار عن رفض سويسرا عرضاً مصرياً لشراء بنادق قناصة وقت الثورة؟
- حدث بالفعل وحكاها لى أحد رجال المخابرات السويسريين فى حضور عدد من الشخصيات العامة، وقال إنه بعد اندلاع الثورة بيومين تقدم السفير المصرى فى سويسرا مجدى شعراوى، وهو صديق مقرب من «مبارك»، بطلب للحكومة السويسرية لشراء عدة آلاف من بنادق القناصة سويسرية الصنع بها تليسكوب يقرب لمسافة ١٠٠٠- ١٥٠٠ متر، وجهاز يحدد المنطقة المطلوب إصابتها، وجهاز رؤية ليلية ويتم التصويب بدقة الليزر، وذخيرة مخصوصة وهى لا تُحمل باليد، ولكن لابد من تثبيتها على قاعدة ويُقدر سعر البندقية الواحدة بنحو ٤٠٠٠ دولار، ولكن الحكومة السويسرية رفضت الطلب.
■ لماذا رفضت الحكومة السويسرية؟ وهل هذا يأتى فى إطار تعاطف سويسرا مع الثورة؟
- الحقيقة أن الحكومة السويسرية أدركت كيف سيتم استخدام تلك البنادق، وبالتالى رفضت أن يكون لها أى دور فى تلك العملية. أما فيما يتعلق بنظرة السويسريين للثورة فى مصر فقد تعاطفوا مع الثورة وهذا لم يأت من فراغ، فالأوروبيون كانوا يعتقدون أن أى ثورة ستحدث فى مصر لن يكون وراءها سوى حركة إسلامية كطالبان أو القاعدة، وهذا ما صدره لهم «مبارك» منذ سنوات حين أفهمهم أنه لا بديل لحكمه سوى الجماعات الإسلامية، فكان لديهم فزع من التغيير، وتلك النظرة بدأت فى التحول منذ اختيارى رئيساً لاتحاد المنظمات الإسلامية فى سويسرا، حيث قدمت الجالية الإسلامية بشكل مختلف وراق، وأنشأت جسر تواصل بيننا وبين قمة المجتمع السويسرى من خلال علاقاتى بكبار المسؤولين هناك، ونظمت معهم مشروعًا قام على عقد لقاءات بين شخصيات إسلامية من جميع البلدان والمسؤولين فى سويسرا فى وزارات الاقتصاد والخارجية ومكافحة الإرهاب والاتحاد الأوروبى، ومسؤول الـ«سى. آى. إيه» فى وسط أوروبا والسفراء الأجانب والعرب، لخلق حالة من التواصل فى الفكر، وإحداث حالة من التقارب ووضع إجابات محددة عن أسئلة الغرب ومخاوفهم من التيار السياسى الإسلامى، وكان يحضر من مصر الدكتور محمد مرسى، رئيس كتلة الإخوان فى البرلمان السابق.
وكنا نتحدث فى تلك اللقاءات عن مفهوم الإسلاميين عن الحرية العقائدية وعلاقتنا بالآخر والاتفاقيات الدولية والموقف من الأقباط والأقليات، وكذلك الفارق بين فكر الإخوان المسلمين والفكر الشيعى، ومبدأ عصمة الإمام والفكر السنى ومدنية الحكم، ولم أكن أمثل فى تلك اللقاءات مصر أو الإخوان المسلمين، ولكن كنت أمثل كل المسلمين فى سويسرا، ولكن بعد أحداث ١١ سبتمبر وصعود اليمين الشعبوى الذى أخذ موقفاً ضد المسلمين تقرر إيقاف مساهمة وزارة الخارجية فى عقد لقاءات بين المسلمين من جميع أنحاء العالم والأوروبيين، ولكن استمرت اجتماعاتنا على نطاق أضيق عبر لقاءات مع مسؤولين غربيين.
■ قد يتساءل البعض عن مصلحة الغرب وسويسرا فى عقد تلك اللقاءات؟
- تفعيل العلاقات والتواصل مع شخصيات إسلامية وفهم العقلية الإسلامية ونقل رؤاها للجهات المختصة فى بلادهم، ونشر الثقافة الأوروبية والسويسرية فى تلك البلاد، كما أن مصالحهم فى المنطقة مرتبطة باستقرارها. من جانب آخر كنا نسعى كمسلمين للتواصل مع القيادات فى أوروبا، حتى إن وزير خارجية النرويج قال لهيلارى كلينتون إن أوروبا أخطأت عندما لم تتصل بحركة الإخوان المسلمين.
■ وماذا عن مرحلة ما بعد الثورة ونظرة أوروبا لما يحدث فى مصر؟
- كان هناك ترقب لما يحدث ورغبة فى معرفة دور الإسلاميين فى الثورة، وكانت أجهزة المخابرات الغربية تصور ميدان التحرير لمعرفة حجم التأثير الإسلامى فيه، وأعجبنى أن حركة الإخوان لم ترفع أى شعار دينى ولم تشارك بصبغة دينية فى ثورة ٢٥ يناير، بل شاركت ونادت بالمطالب العامة التى ينادى بها كل الناس، وكانوا يرفضون صعود أى شخص إلى المنصة للحديث بشكل دينى.
■ ولكن الإخوان رفضوا الدعوات التى نادت للثورة قبل ٢٥ يناير وقالوا إنهم لن يشاركوا وهو ما حدث؟
- هذا غير صحيح، لأن بعض المدونين وشباب الإخوان كانت لهم صفحات على الـ«فيس بوك»، ولكن الجماعة كانت محظورة ومهددة من قبل النظام السابق، وكانوا يخشون التنكيل بهم، وبالتالى كان الموقف الرسمى للإخوان عدم المشاركة، لكنهم لم يمنعوا أحدا من المشاركة. وقد اتصل بى اللواء عبدالحميد أبوشادى، مساعد وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، بعد يوم ٢٥ يناير، وقال لى إن الإخوان خدعوا النظام بنفيهم المشاركة فى الثورة، لكنه أكد لى أن الأعداد التى خرجت فى الشارع تدل على وجود قوى للإخوان فى المظاهرات، وطلب منى إبلاغ المرشد العام عدم نزول الإخوان يوم ٢٨ يناير، فوعدته بتوصيل الرسالة دون وعد بتنفيذها، وهو ما حدث.
■ كيف تابعت أوروبا والولايات المتحدة تطور مجريات الثورة؟
- أمريكا كانت تنظر بعينين وأوروبا كانت تنظر بعين واحدة. أمريكا كانت بين نارين، نار نظام بات عبئًا عليها لأن شعبه يعانى، ولكن يهمها استمراره لحين إيجاد بديل له يحافظ على مصالحها فى المنطقة، وبخاصة أن التوريث كان مطروحا لكن غير مقبول شعبياً، ولا من المؤسسة العسكرية، أما النار الثانية فكانت الضغوط الإسرائيلية التى كانت عبئًا على أمريكا وتطلب منها دعم مبارك ونظامه بوصفه كنزا استراتيجيا لها، إلى حد أنها هددت أوباما بعدم ترشيحه مرة أخرى فى حال ساعد فى سقوط مبارك، وهو ما يفسر تباين التصريحات الأمريكية تجاه الثورة، حتى إنهم كانوا يسجلون الخًُطب التى تلقى فى التحرير ويترجمونها، أما الأوروبيون فلم يكن لديهم تلك الحساسية وكانوا يقيسون التحضر فى سلوك المصريين تجاه ما يحدث.
■ ألا ترى تناقضا بين ما كنا نراه من علامات صداقة بين زعماء أوروبا ومبارك وبين سرعة التخلى عنه بعد الثورة؟
- الصداقات الشخصية ليس لها علاقة بالواقع فى اتخاذ القرار، وتلعب المصلحة الدور الرئيسى فى تلك الأمور. فى فرنسا على سبيل المثال التى كان يرتبط مبارك بعلاقة تبدو قوية مع ساركوزى، تحتفظ له المخابرات الفرنسية بوثائق تثبت طلبه عمولة على صفقة شراء طائرات الميراج الفرنسية، حينما كان قائدًا للقوات الجوية، وأوفدته مصر إلى ليبيا عام ١٩٧١ كخبير لشراء طائرات للسلاح الجوى الليبى، والغرب كان يهمه تأييد إسرائيل وحمايتها ولا يهمه من يحكم، وعندما أنشأ مبارك اتحاد المتوسط مع ساركوزى كان الهدف دعم التطبيع مع إسرائيل.
■ هل كان هناك تنسيق بينك وبين الإخوان فى أى قرار أو خطوة فيما تقوم به فى الخارج؟
- بصفتى مقيما فى الخارج كان لى قدر من الحرية فى التصرف غير متاحة لمن يقيمون فى مصر، ولم يكن من المعقول أن آخذ الإذن فى كل لقاء التقى فيه بأحد المسؤولين، أو أى نشاط أقوم به، ولكننى كنت أعلمهم بما أفعل بشكل أو بآخر.
■ ولماذا تم إلقاء القبض عليك فى مصر من قبل الأمن عام ٢٠٠١؟
- بعد خروجى من مصر عام ١٩٥٧ لم أدخلها إلا فى عهد السادات فى زيارة سريعة وبجواز سفر يحمل اسما آخر، ولم أعد إلا فى يناير عام ٢٠٠١، وعند مغادرتى مصر أنزلونى من الطائرة، ولم يسمحوا لى حتى بأن أخبر أحداً من أسرتى، وهناك اتفاق بينى وبين زوجتى على أن أقوم بإرسال رسالة لها عند وصولى أو مغادرتى أى مكان، وعندما لم يصلها شىء أبلغت المسؤولين فى سويسرا فتواصلوا مع عمرو موسى وكان وزيرا للخارجية، فأكد له الأمن أنه لا يعلم مكانى، ولكن مكتب الخارجية فى المطار أكد قصة نزولى من الطائرة من قبل أمن الدولة التى سلمتنى بعدها لجهاز المخابرات فعاملونى معاملة جيدة، والتقيت وقتها بعمر سليمان، وأخبرنى أنه لا شىء ضدى، ولكنهم يريدون معرفة بعض الأمور من بينها باكستان ومصر وإيران وبن لادن، وتحدثت معهم عن ضرورة مساعدة القوات المسلحة فى تصنيع السلاح. وسئلت أسئلة استشعرت من ورائها رغبة أجهزة مخابرات أجنبية فى الوصول لإجابات لها، أذكر منها سؤال عن إمكانية قيامى بإتمام الصلح بين بن لادن وأمريكا، فأخبرتهم أنه لا مانع لدى إن أرادوا، فسألونى إذا ما كنت أعلم طريقة الوصول له. فأجبتهم أننى لا أعلم ولكن لو أردت لوصلت له.
■ هل تمثل إيران أى خطورة على مصر؟
- لا أعتقد ذلك بل أنا من المؤمنين بأن إيران دولة ذات رؤية، وكان لها الكثير من المواقف الجيدة فى العالم الإسلامى. حدث ذلك فى البوسنة وقت أن صادر مبارك سفينة سلاح كانت متجهة من إيران للبوسنة، وسلمها للأمريكان بدعوى الالتزام بالقرار الدولى بعدم نقل السلاح للطرفين عام ١٩٩٥، وبعد تجميد الأمريكان للكثير من الحسابات الإسلامية فى الخارج، عانت الكثير من المراكز الإسلامية وكادت تغلق أبوابها، لولا تقديم إيران المساعدة لها.
■ ولكن ألا تتفق معى فى أن هناك تناقضا فى موقفها تجاه الثورات العربية بشكل يعبر عن مصالحها فى المنطقة، فإيران حينما قامت الثورة المصرية خطب إمامها لأول مرة بالعربية مشجعا المصريين على مواصلة ثورتهم، لكنه لم يفعل ذلك مع سوريا رغم عدد القتلى الكبير؟
- هذا ينطبق على موقف الشعوب العربية من ثورة البحرين التى سموها ثورة الشيعة. أما سوريا فالموقف الإيرانى وموقف الإخوان المسلمين واضح، وطالبوا بالإصلاح السياسى فى سوريا مع عدم سقوط النظام، لأنه حائط الصد الأخير فى مواجهة إسرائيل. فى سوريا حركات حماس والجهاد الإسلامى وحزب الله المدعوم من سوريا، وسقوط النظام السورى الآن يسبب أزمة لحزب الله. نحن نخشى فى حالة سقوط آلاف الضحايا من المتظاهرين السوريين أن يصدر مجلس الأمن قرارًا بحماية المدنيين، وتستغل أمريكا وإسرائيل ذلك لضرب المواقع العسكرية السورية، وهذا يخدم إسرائيل، نعلم أن الشعب السورى يعانى من القمع ولكن طبقا للمبدأ الاسلامى أخف الضررين هو عدم تطوير الموضوع فى سوريا.
■ ألا يفقد هذا الفكر مصداقية الإسلام السياسى فى النظر للقضايا بعدالة وحيادية؟
- منذ الخمسينيات كان عبدالناصر يتزعم العالم العربى، وكان الأمريكان يتصلون بكل السياسيين العرب فى الغرب لعمل انقلاب على عبدالناصر، وكنت أحد هؤلاء، ولكننى لم أفعل لأن الأمريكان لديهم نظرية استحواذ ولن يساعدونى من أجل سواد عيونى، وقررت تحمل نظام عبدالناصر القمعى، وهذا ينطبق على سوريا.
■ لكن الموقف فى سوريا مختلف.. هناك شعب يسعى لنيل حقوقه متأثرا بثورات عربية أخرى.
- نعم أعرف، الكثير من السوريين ماتوا فى السجن، والنظام السورى لديه مخاوف من محاكمات عن الفساد وبعض المجازر التى ارتكبت فى حمص وحماة، ولكن أمامنا عدو صهيونى وعلينا دعم نظام بشار الأسد لصده.
■ أليس هذا هو نفس المنطق الذى كان يستخدمه مبارك مع المصريين بأن إسرائيل ستلعب لمصالحها فى حال حدوث أى قلق؟
- هذا غير صحيح، لأن إسرائيل لم يكن لها عميل فى المنطقة أفضل من مبارك، باعترافهم، الحرب على غزة أُعلنت من مصر، وآخر مكالمة تليفونية قام بها مبارك قبل تركه السلطة يوم الجمعة كانت مع وزير الدفاع الإسرائيلى السابق، ولكن الوضع فى سوريا مختلف، ونقلنا رسالة للرئيس بشار الأسد عبر خالد مشعل نطالبه فيها بالمزيد من الإصلاحات السياسية والحريات، وقال له مشعل إنهم يريدونه رئيسا لكل السوريين، وكان الرد مشجعا.
■ كيف ترى مستقبل الإخوان المسلمين فى الفترة المقبلة؟
- أتوقع أن يكون لهم دور مهم فى رسم سياسة مصر فى الفترة المقبلة، وتوجيه عقيدة الجيش، والصناعات التى تحتاجها مصر، وأن يكون لها دور إقليمى فى المنطقة عبر مجموعة دول الثمانى.
■ وماذا عن التحفظ المجتمعى على دور الإخوان والتيار السياسى الإسلامى؟
- من له تحفظ على الإخوان؟ الليبراليون ليس لديهم مشروع لما يسعون أن تكون عليه مصر فى الفترة المقبلة. ليس لديهم برنامج للجيش والصناعة والاقتصاد القومى لمصر، هم فقط يريدون نمطا معينا من الحريات. المسيحيون يعرفون أن الإسلام حماهم طيلة عقود طويلة بمبدأ لكم دينكم ولى دين، وجميعنا لنا أصدقاء مسيحيون. هم جزء مكون من المجتمع ولدينا علماء مصريون مسيحيون ندين لهم بالعطاء مثل دكتور مجدى يعقوب. نحن فى سويسرا نرفع أيدينا لتحية العلم الذى يحمل صورة الصليب، وليس لدى مخاوف من قيام دولة مصرية حديثة يقودها الإخوان، وأعلم أنهم سيضعون القواعد التى تحمى المواطنين وتوفر لهم الحرية.
صلاح يتحدث إلى «المصرى اليوم»
مرة أخرى يتحدث إلينا، ولكن تلك المرة تختلف عن سابقتها.. الأولى كانت فى شهر ديسمبر الماضى حين التقينا القيادى الإخوانى إبراهيم صلاح المقيم فى سويسرا منذ عام ١٩٥٧، كان حذرًا فى حديثه، موجزاً فى ردوده، وبخاصة تلك التى تتعلق بالإخوان وعلاقاته السياسية والمخابراتية فى الخارج، ونظرة الغرب للإسلام السياسى، ولكن اليوم تحدث لنا برغبة فى كشف بعض الأسرار، فاتحاً الباب بعض الشىء لنجد الإجابة عن تساؤلاتنا، فكشف عن صفقة لشراء بنادق قناصة سويسرية فى الأيام الأولى للثورة، تقدم بها السفير المصرى هناك، وتم رفضها من قبل سويسرا، وحكى للمرة الأولى سر الدَّين الإيرانى على مصر، الذى اشتراه جمال مبارك من الإيرانيين مقابل ٥% من قيمته، ووقعه عنه محمد إبراهيم كامل، وتحدث عن لقاءات التيار الإسلامى فى الكثير من الدول العربية بمسؤولين سويسريين ومن الاتحاد الأوروبى والمخابرات الأمريكية للتعرف على رؤيتهم.. تحدث عن الكثير والكثير لـ«المصرى اليوم».. فإلى نص الحوار:
■ أثناء الثورة أعلنت سويسرا تجميد حسابات «مبارك» وأسرته.. لكنه أنكر وجود حسابات له فى الخارج.. كيف تفسر ذلك؟
- لقد حاول «مبارك» بكلمته استدرار تعاطف المصريين، وكسب بعض الشعبية، ولكن أثناء الثورة أعلن المتحدث الرسمى باسم الحكومة السويسرية تجميد عشرات الملايين باسم «مبارك»، ذلك غير الشركات غير المنسوبة له، ولكن هناك شكوكاً حول ملكيته لها، فالقانون السويسرى أتاح لهم تجميد أصول «بن على» و«مبارك» عقب اندلاع الأحداث فى تونس ومصر دون انتظار مطلب رسمى، ولكن القانون لا يبيح لهم تسليمها إلا بعد انتخاب حكومة شرعية تثبت أن تلك الأموال منهوبة من الشعب فتتم إعادتها، وكذلك الحال مع الاتحاد الأوروبى، ولم تكن سويسرا وحدها من أعلنت، ولكن نشرت جريدة «الجارديان» قبل تنحى «مبارك» تقريرًا مفصلا عن ثروته وقدرتها بنحو ٧٠ مليار دولار، ومعروف أن قوانين النشر الإنجليزية من أصعب قوانين النشر فى العالم، ولا تستطيع صحيفة بحجم «الجارديان» المجازفة بسمعتها بنشر خبر كاذب.
■ يتهم البعض جمال مبارك بالتربح من شراء ديون مصر ثم استعادتها من الحكومة المصرية كاملة.. ما صحة ذلك؟
- هذه حقيقة، وأساس ثروة جمال مبارك جاء من شراء الديون التى كانت على مصر لبعض الدول، ولدى أجهزة المخابرات الأوروبية جميع المعلومات عن ثروة «مبارك» وأسرته، وجزء منها يتعلق بشراء الديون، وأنا شخصيا حدث معى موقف بخصوص هذا الأمر فى بداية التسعينيات، عندما اتصل بى مجموعة من المصريين أحدهم يُدعى عمر سيد الأهل، وأخبرونى أن إيران تسعى لبيع الدين الذى تدين به مصر بقيمة مليار دولار، كانت منحت بها مصر فى عهد الشاه أتوبيسات إيرانية، وطلبوا منى شراء الدين، فاتصلت بالسفير الإيرانى فى سويسرا وعرضت الأمر عليه، فحدد لى موعدا مع أحد المسؤولين بوزارة المالية الإيرانية فى طهران، وسافرت للقائه وكان يدعى السيد «نواب»،
واتفقنا على دفع ٧% من قيمة الدين «كاش» ونقداً مع منحهم ضماناً بنكياً بالمبلغ، بعدها بعدة أيام اتصل بى السيد «نواب»، وطلب لقائى مرة أخرى، فذهبت له وأخبرنى أن عرضى كان أفضل العروض، لكنهم تلقوا اتصالا من شخص قال لهم إنه موظف فى «سيتى بنك» بلندن، وإن اسمه جمال مبارك، وهو نجل الرئيس المصرى، وأعرب لهم عن رغبته فى شراء الدين مقابل نحو ٥% من قيمته على أن يتم سداده على شكل بضائع، ووعدهم بتسهيل الطريق لإعادة العلاقات بين طهران والقاهرة.
وتأكد الإيرانيون من المعلومات عبر سفارتهم فى لندن، ثم رأوا أن مصلحتهم السياسية تحتم إتمام الصفقة بعد موافقة رافسنجانى ومجلس الوزراء، وبدأوا المفاوضات مع جمال مبارك الذى أرسل محمد إبراهيم كامل للتوقيع على العقد، وهكذا اشترى جمال مبارك الدين المصرى لإيران وباتت مصر مدينة له بمليار دولار بفوائدها حصّلها فيما بعد، ومنح هو الإيرانيين بضائع وماكينات بقيمة ٥% من الدين.
■ وما صحة ما نشرته بعض المواقع من أخبار عن رفض سويسرا عرضاً مصرياً لشراء بنادق قناصة وقت الثورة؟
- حدث بالفعل وحكاها لى أحد رجال المخابرات السويسريين فى حضور عدد من الشخصيات العامة، وقال إنه بعد اندلاع الثورة بيومين تقدم السفير المصرى فى سويسرا مجدى شعراوى، وهو صديق مقرب من «مبارك»، بطلب للحكومة السويسرية لشراء عدة آلاف من بنادق القناصة سويسرية الصنع بها تليسكوب يقرب لمسافة ١٠٠٠- ١٥٠٠ متر، وجهاز يحدد المنطقة المطلوب إصابتها، وجهاز رؤية ليلية ويتم التصويب بدقة الليزر، وذخيرة مخصوصة وهى لا تُحمل باليد، ولكن لابد من تثبيتها على قاعدة ويُقدر سعر البندقية الواحدة بنحو ٤٠٠٠ دولار، ولكن الحكومة السويسرية رفضت الطلب.
■ لماذا رفضت الحكومة السويسرية؟ وهل هذا يأتى فى إطار تعاطف سويسرا مع الثورة؟
- الحقيقة أن الحكومة السويسرية أدركت كيف سيتم استخدام تلك البنادق، وبالتالى رفضت أن يكون لها أى دور فى تلك العملية. أما فيما يتعلق بنظرة السويسريين للثورة فى مصر فقد تعاطفوا مع الثورة وهذا لم يأت من فراغ، فالأوروبيون كانوا يعتقدون أن أى ثورة ستحدث فى مصر لن يكون وراءها سوى حركة إسلامية كطالبان أو القاعدة، وهذا ما صدره لهم «مبارك» منذ سنوات حين أفهمهم أنه لا بديل لحكمه سوى الجماعات الإسلامية، فكان لديهم فزع من التغيير، وتلك النظرة بدأت فى التحول منذ اختيارى رئيساً لاتحاد المنظمات الإسلامية فى سويسرا، حيث قدمت الجالية الإسلامية بشكل مختلف وراق، وأنشأت جسر تواصل بيننا وبين قمة المجتمع السويسرى من خلال علاقاتى بكبار المسؤولين هناك، ونظمت معهم مشروعًا قام على عقد لقاءات بين شخصيات إسلامية من جميع البلدان والمسؤولين فى سويسرا فى وزارات الاقتصاد والخارجية ومكافحة الإرهاب والاتحاد الأوروبى، ومسؤول الـ«سى. آى. إيه» فى وسط أوروبا والسفراء الأجانب والعرب، لخلق حالة من التواصل فى الفكر، وإحداث حالة من التقارب ووضع إجابات محددة عن أسئلة الغرب ومخاوفهم من التيار السياسى الإسلامى، وكان يحضر من مصر الدكتور محمد مرسى، رئيس كتلة الإخوان فى البرلمان السابق.
وكنا نتحدث فى تلك اللقاءات عن مفهوم الإسلاميين عن الحرية العقائدية وعلاقتنا بالآخر والاتفاقيات الدولية والموقف من الأقباط والأقليات، وكذلك الفارق بين فكر الإخوان المسلمين والفكر الشيعى، ومبدأ عصمة الإمام والفكر السنى ومدنية الحكم، ولم أكن أمثل فى تلك اللقاءات مصر أو الإخوان المسلمين، ولكن كنت أمثل كل المسلمين فى سويسرا، ولكن بعد أحداث ١١ سبتمبر وصعود اليمين الشعبوى الذى أخذ موقفاً ضد المسلمين تقرر إيقاف مساهمة وزارة الخارجية فى عقد لقاءات بين المسلمين من جميع أنحاء العالم والأوروبيين، ولكن استمرت اجتماعاتنا على نطاق أضيق عبر لقاءات مع مسؤولين غربيين.
■ قد يتساءل البعض عن مصلحة الغرب وسويسرا فى عقد تلك اللقاءات؟
- تفعيل العلاقات والتواصل مع شخصيات إسلامية وفهم العقلية الإسلامية ونقل رؤاها للجهات المختصة فى بلادهم، ونشر الثقافة الأوروبية والسويسرية فى تلك البلاد، كما أن مصالحهم فى المنطقة مرتبطة باستقرارها. من جانب آخر كنا نسعى كمسلمين للتواصل مع القيادات فى أوروبا، حتى إن وزير خارجية النرويج قال لهيلارى كلينتون إن أوروبا أخطأت عندما لم تتصل بحركة الإخوان المسلمين.
■ وماذا عن مرحلة ما بعد الثورة ونظرة أوروبا لما يحدث فى مصر؟
- كان هناك ترقب لما يحدث ورغبة فى معرفة دور الإسلاميين فى الثورة، وكانت أجهزة المخابرات الغربية تصور ميدان التحرير لمعرفة حجم التأثير الإسلامى فيه، وأعجبنى أن حركة الإخوان لم ترفع أى شعار دينى ولم تشارك بصبغة دينية فى ثورة ٢٥ يناير، بل شاركت ونادت بالمطالب العامة التى ينادى بها كل الناس، وكانوا يرفضون صعود أى شخص إلى المنصة للحديث بشكل دينى.
■ ولكن الإخوان رفضوا الدعوات التى نادت للثورة قبل ٢٥ يناير وقالوا إنهم لن يشاركوا وهو ما حدث؟
- هذا غير صحيح، لأن بعض المدونين وشباب الإخوان كانت لهم صفحات على الـ«فيس بوك»، ولكن الجماعة كانت محظورة ومهددة من قبل النظام السابق، وكانوا يخشون التنكيل بهم، وبالتالى كان الموقف الرسمى للإخوان عدم المشاركة، لكنهم لم يمنعوا أحدا من المشاركة. وقد اتصل بى اللواء عبدالحميد أبوشادى، مساعد وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، بعد يوم ٢٥ يناير، وقال لى إن الإخوان خدعوا النظام بنفيهم المشاركة فى الثورة، لكنه أكد لى أن الأعداد التى خرجت فى الشارع تدل على وجود قوى للإخوان فى المظاهرات، وطلب منى إبلاغ المرشد العام عدم نزول الإخوان يوم ٢٨ يناير، فوعدته بتوصيل الرسالة دون وعد بتنفيذها، وهو ما حدث.
■ كيف تابعت أوروبا والولايات المتحدة تطور مجريات الثورة؟
- أمريكا كانت تنظر بعينين وأوروبا كانت تنظر بعين واحدة. أمريكا كانت بين نارين، نار نظام بات عبئًا عليها لأن شعبه يعانى، ولكن يهمها استمراره لحين إيجاد بديل له يحافظ على مصالحها فى المنطقة، وبخاصة أن التوريث كان مطروحا لكن غير مقبول شعبياً، ولا من المؤسسة العسكرية، أما النار الثانية فكانت الضغوط الإسرائيلية التى كانت عبئًا على أمريكا وتطلب منها دعم مبارك ونظامه بوصفه كنزا استراتيجيا لها، إلى حد أنها هددت أوباما بعدم ترشيحه مرة أخرى فى حال ساعد فى سقوط مبارك، وهو ما يفسر تباين التصريحات الأمريكية تجاه الثورة، حتى إنهم كانوا يسجلون الخًُطب التى تلقى فى التحرير ويترجمونها، أما الأوروبيون فلم يكن لديهم تلك الحساسية وكانوا يقيسون التحضر فى سلوك المصريين تجاه ما يحدث.
■ ألا ترى تناقضا بين ما كنا نراه من علامات صداقة بين زعماء أوروبا ومبارك وبين سرعة التخلى عنه بعد الثورة؟
- الصداقات الشخصية ليس لها علاقة بالواقع فى اتخاذ القرار، وتلعب المصلحة الدور الرئيسى فى تلك الأمور. فى فرنسا على سبيل المثال التى كان يرتبط مبارك بعلاقة تبدو قوية مع ساركوزى، تحتفظ له المخابرات الفرنسية بوثائق تثبت طلبه عمولة على صفقة شراء طائرات الميراج الفرنسية، حينما كان قائدًا للقوات الجوية، وأوفدته مصر إلى ليبيا عام ١٩٧١ كخبير لشراء طائرات للسلاح الجوى الليبى، والغرب كان يهمه تأييد إسرائيل وحمايتها ولا يهمه من يحكم، وعندما أنشأ مبارك اتحاد المتوسط مع ساركوزى كان الهدف دعم التطبيع مع إسرائيل.
■ هل كان هناك تنسيق بينك وبين الإخوان فى أى قرار أو خطوة فيما تقوم به فى الخارج؟
- بصفتى مقيما فى الخارج كان لى قدر من الحرية فى التصرف غير متاحة لمن يقيمون فى مصر، ولم يكن من المعقول أن آخذ الإذن فى كل لقاء التقى فيه بأحد المسؤولين، أو أى نشاط أقوم به، ولكننى كنت أعلمهم بما أفعل بشكل أو بآخر.
■ ولماذا تم إلقاء القبض عليك فى مصر من قبل الأمن عام ٢٠٠١؟
- بعد خروجى من مصر عام ١٩٥٧ لم أدخلها إلا فى عهد السادات فى زيارة سريعة وبجواز سفر يحمل اسما آخر، ولم أعد إلا فى يناير عام ٢٠٠١، وعند مغادرتى مصر أنزلونى من الطائرة، ولم يسمحوا لى حتى بأن أخبر أحداً من أسرتى، وهناك اتفاق بينى وبين زوجتى على أن أقوم بإرسال رسالة لها عند وصولى أو مغادرتى أى مكان، وعندما لم يصلها شىء أبلغت المسؤولين فى سويسرا فتواصلوا مع عمرو موسى وكان وزيرا للخارجية، فأكد له الأمن أنه لا يعلم مكانى، ولكن مكتب الخارجية فى المطار أكد قصة نزولى من الطائرة من قبل أمن الدولة التى سلمتنى بعدها لجهاز المخابرات فعاملونى معاملة جيدة، والتقيت وقتها بعمر سليمان، وأخبرنى أنه لا شىء ضدى، ولكنهم يريدون معرفة بعض الأمور من بينها باكستان ومصر وإيران وبن لادن، وتحدثت معهم عن ضرورة مساعدة القوات المسلحة فى تصنيع السلاح. وسئلت أسئلة استشعرت من ورائها رغبة أجهزة مخابرات أجنبية فى الوصول لإجابات لها، أذكر منها سؤال عن إمكانية قيامى بإتمام الصلح بين بن لادن وأمريكا، فأخبرتهم أنه لا مانع لدى إن أرادوا، فسألونى إذا ما كنت أعلم طريقة الوصول له. فأجبتهم أننى لا أعلم ولكن لو أردت لوصلت له.
■ هل تمثل إيران أى خطورة على مصر؟
- لا أعتقد ذلك بل أنا من المؤمنين بأن إيران دولة ذات رؤية، وكان لها الكثير من المواقف الجيدة فى العالم الإسلامى. حدث ذلك فى البوسنة وقت أن صادر مبارك سفينة سلاح كانت متجهة من إيران للبوسنة، وسلمها للأمريكان بدعوى الالتزام بالقرار الدولى بعدم نقل السلاح للطرفين عام ١٩٩٥، وبعد تجميد الأمريكان للكثير من الحسابات الإسلامية فى الخارج، عانت الكثير من المراكز الإسلامية وكادت تغلق أبوابها، لولا تقديم إيران المساعدة لها.
■ ولكن ألا تتفق معى فى أن هناك تناقضا فى موقفها تجاه الثورات العربية بشكل يعبر عن مصالحها فى المنطقة، فإيران حينما قامت الثورة المصرية خطب إمامها لأول مرة بالعربية مشجعا المصريين على مواصلة ثورتهم، لكنه لم يفعل ذلك مع سوريا رغم عدد القتلى الكبير؟
- هذا ينطبق على موقف الشعوب العربية من ثورة البحرين التى سموها ثورة الشيعة. أما سوريا فالموقف الإيرانى وموقف الإخوان المسلمين واضح، وطالبوا بالإصلاح السياسى فى سوريا مع عدم سقوط النظام، لأنه حائط الصد الأخير فى مواجهة إسرائيل. فى سوريا حركات حماس والجهاد الإسلامى وحزب الله المدعوم من سوريا، وسقوط النظام السورى الآن يسبب أزمة لحزب الله. نحن نخشى فى حالة سقوط آلاف الضحايا من المتظاهرين السوريين أن يصدر مجلس الأمن قرارًا بحماية المدنيين، وتستغل أمريكا وإسرائيل ذلك لضرب المواقع العسكرية السورية، وهذا يخدم إسرائيل، نعلم أن الشعب السورى يعانى من القمع ولكن طبقا للمبدأ الاسلامى أخف الضررين هو عدم تطوير الموضوع فى سوريا.
■ ألا يفقد هذا الفكر مصداقية الإسلام السياسى فى النظر للقضايا بعدالة وحيادية؟
- منذ الخمسينيات كان عبدالناصر يتزعم العالم العربى، وكان الأمريكان يتصلون بكل السياسيين العرب فى الغرب لعمل انقلاب على عبدالناصر، وكنت أحد هؤلاء، ولكننى لم أفعل لأن الأمريكان لديهم نظرية استحواذ ولن يساعدونى من أجل سواد عيونى، وقررت تحمل نظام عبدالناصر القمعى، وهذا ينطبق على سوريا.
■ لكن الموقف فى سوريا مختلف.. هناك شعب يسعى لنيل حقوقه متأثرا بثورات عربية أخرى.
- نعم أعرف، الكثير من السوريين ماتوا فى السجن، والنظام السورى لديه مخاوف من محاكمات عن الفساد وبعض المجازر التى ارتكبت فى حمص وحماة، ولكن أمامنا عدو صهيونى وعلينا دعم نظام بشار الأسد لصده.
■ أليس هذا هو نفس المنطق الذى كان يستخدمه مبارك مع المصريين بأن إسرائيل ستلعب لمصالحها فى حال حدوث أى قلق؟
- هذا غير صحيح، لأن إسرائيل لم يكن لها عميل فى المنطقة أفضل من مبارك، باعترافهم، الحرب على غزة أُعلنت من مصر، وآخر مكالمة تليفونية قام بها مبارك قبل تركه السلطة يوم الجمعة كانت مع وزير الدفاع الإسرائيلى السابق، ولكن الوضع فى سوريا مختلف، ونقلنا رسالة للرئيس بشار الأسد عبر خالد مشعل نطالبه فيها بالمزيد من الإصلاحات السياسية والحريات، وقال له مشعل إنهم يريدونه رئيسا لكل السوريين، وكان الرد مشجعا.
■ كيف ترى مستقبل الإخوان المسلمين فى الفترة المقبلة؟
- أتوقع أن يكون لهم دور مهم فى رسم سياسة مصر فى الفترة المقبلة، وتوجيه عقيدة الجيش، والصناعات التى تحتاجها مصر، وأن يكون لها دور إقليمى فى المنطقة عبر مجموعة دول الثمانى.
■ وماذا عن التحفظ المجتمعى على دور الإخوان والتيار السياسى الإسلامى؟
- من له تحفظ على الإخوان؟ الليبراليون ليس لديهم مشروع لما يسعون أن تكون عليه مصر فى الفترة المقبلة. ليس لديهم برنامج للجيش والصناعة والاقتصاد القومى لمصر، هم فقط يريدون نمطا معينا من الحريات. المسيحيون يعرفون أن الإسلام حماهم طيلة عقود طويلة بمبدأ لكم دينكم ولى دين، وجميعنا لنا أصدقاء مسيحيون. هم جزء مكون من المجتمع ولدينا علماء مصريون مسيحيون ندين لهم بالعطاء مثل دكتور مجدى يعقوب. نحن فى سويسرا نرفع أيدينا لتحية العلم الذى يحمل صورة الصليب، وليس لدى مخاوف من قيام دولة مصرية حديثة يقودها الإخوان، وأعلم أنهم سيضعون القواعد التى تحمى المواطنين وتوفر لهم الحرية.
صلاح يتحدث إلى «المصرى اليوم»