٢٠/ ١٢/ ٢٠١١
«ما نعيشه حالياً صراع سياسى على مكاسب، وعلينا أن نجعل مصلحة مصر فى المقام الأول، لأن ذلك لم يحدث حتى هذه اللحظة».. بهذه الكلمات عبر العالم المصرى، الدكتور أحمد زويل، عن تقديره لملامح المرحلة التى تمر بها مصر حاليا وكيفية الخروج من هذه المحنة.
وطالب «زويل»، أثناء حواره لبرنامج «لازم نفهم»، الذى قدمه الكاتب الصحفى والإعلامى مجدى الجلاد، على فضائية «cbc»، مساء أمس الأول، بالإسراع فى تشكيل لجنة حكماء ليس لها طموح سياسى فى أسرع وقت، وعدم التسرع فى استقالة أعضاء المجلس الاستشارى، موضحاً أن الظروف الحالية تتطلب التواصل بين المجلس والشعب. وطالب «زويل»، وسائل الإعلام بعدم التحريض عل ى الإثارة، والالتزام بنشر المعلومات الحقيقية، وكشف الحقائق دون تضليل.. وإلى نص الحوار:
■ بداية ما رؤيتك للخروج من المأزق الذى تعيشه مصر؟
- للخروج من هذا المأزق يجب وقف فورى لحالة العنف وعودة الشرطة لدورها الحقيقى، وهو حماية المواطنين، وعدم تواجد الحركة الثورية فى ميادين وشوارع مصر فترة معينة، وبذلك يمكن القبض على البلطجية والخارجين على القانون، وأن يقوم القضاء بتوضيح مدى قانونية الاعتصام ويجب على قوات الجيش اتباع هذه القوانين، ومع احترامى لقرار بعض أعضاء المجلس الاستشارى تقديم استقالته احتجاجا على الإفراط فى استخدام العنف مع المتظاهرين، إلا أن هذه الظروف تتطلب التواصل بين المجلس العسكرى والشعب، ووضع خطة واضحة للحكومة للوصول إلى حل. وعلينا أن نصبر عدة أشهر حتى ينتخب رئيس من الشعب، ويجب على الإعلام تحمل المسؤولية، وعدم التحريض والالتزام بالمصداقية والشفافية، والتركيز فى المرحلة المقبلة على وضع دستور مبنى على حق المواطنة والمرأة والعدالة الاجتماعية.
■ ألمح فى عينيك الدموع.. هل وصلنا إلى مرحلة اليأس؟
- أبكى لأن مصر ما تستاهلش يحصل فيها كده، ومش معقول تاريخها الطويل نضيعه بأيدينا، ولن أصل إلى مرحلة اليأس، لأننى أملك قناعة بأن مصر لديها عبقرية تاريخية وتستطيع المرور من الأزمات بتاريخها العظيم.
■ من التحضر خلال ثورة يناير إلى البلطجة الآن.. ما تشخيصك للأمر؟
- خلال الـ١٠ أشهر الماضية حدث خلط بين الثوار الأحرار الذين دفعوا دماءهم ثمنا لحرية مصر، وبين دخلاء الثورة المأجورين، الذين لديهم طموح بإسقاط هيبة الدولة المصرية وينتشرون فى شوارع وميادين مصر.
■ ما القنوات الشرعية لتعبير الشباب عن مطالبهم؟
- توجد طرق مختلفة للتعبير عن مطالب الشباب بصور شرعية، أهمها أن يتم التعبير عن المطالب بصورة سلمية، وأن يتحدث المجلس العسكرى بشكل واضح عن هذه المطالب، حتى تكون هناك شفافية.
■ قبل ساعات قليلة اجتمع عدد من الشخصيات العامة ووضعوا مقترحاً للمجلس العسكرى بتأجيل انتخابات مجلس الشورى والإعلان عن الانتخابات الرئاسية فى يناير المقبل للخروج من هذه الأزمة؟
- لا أحب أن نعود خطوة إلى الوراء مرة أخرى، فالإعلان عن أن ٦٧% من المصريين خرجوا للتصويت فى الانتخابات البرلمانية أكبر دليل على أننا نخطو الخطوات الأولى نحو الديمقراطية، وعلينا أن نصبر عدة أشهر لانتخاب رئيس للجمهورية يختاره الشعب.
■ هل يوجد خلط بين الفوضى والحرية والديمقراطية فى مصر؟
- نعم يوجد خلط بين الديمقراطية والحرية والفوضى فى مصر، فالديمقراطية تعنى اختلاف الآراء لكن ليس معناها الخروج عن اللائق وممارسة التضليل السياسى، وإلا بذلك سنتحول إلى العشوائية والفوضى، وللأسف كارثة حرق المجمع العلمى لا تقل عن كارثة حرق مكتبة الإسكندرية القديمة.
■ المرحلة الانتقالية تتطلب أن تكون هناك لجنة حكماء ليس لديها طموح سياسى لوضع ملامح مستقبل مصر.. ما رأيك؟
- نعم .. لابد أن يكون هناك مجلس حكماء فى أسرع وقت، لأنه يجب أن يكون هناك عقلاء ليس لهم طموح سياسى يخبروننا مصر رايحة على فين، وفى جميع الدول التى نجحت بها الثورات، كان هناك حكماء متفقون فى آرائهم.
■ ما تقييمك لأداء المجلس العسكرى؟
- فى تقديرى، ومن خلال مقابلاتى مع عدد من قيادات المجلس، أعرف أنهم لا يريدون السلطة، ويرغبون فى تسليم البلاد إلى سلطة ديمقراطية وطنية لأن المجلس العسكرى مهمته الأساسية حماية البلاد، إلا أنه تسلم المسؤولية الوطنية بأكملها.
■ فى مارس الماضى تضمنت التعديلات الدستورية مادة منعت ترشح حامل الجنسية الأجنبية لانتخابات رئاسة الجمهورية.. كيف قرأت ذلك، خاصة وقد تردد أنها فصلت من أجلك؟
- أولا أنا أعرف أن المستشار طارق البشرى مثقف وله احترامه فى المجتمع، إلا أننى انزعجت من نص المادة، التى تقلل من المصرية التى بداخلى، وتحرم مصرياً يعيش خارج البلاد ويحمل جنسية أخرى من الترشح لرئاسة الجمهورية، ولم أشعر بمهانة لكنى شعرت بمعيبة لا تليق لأن الجنسية الأخرى لا تقلل من الوطنية، ورأيت أن هذه المادة نظرة ضيقة ولا تخدم مصلحة مصر، خاصة أن جزءاً كبيراً من الدخل القومى لمصر يعتمد على تحويلات المصريين من الخارج، فكيف يكون الرد عدم أحقيتنا فى الترشح لرئاسة الجمهورية.
■ هل شعرت حينها بمؤامرة تجاهك؟
- لا .. لأن الوطنية لا تباع أو تشترى، والترشح لرئاسة الجمهورية لم يكن هدفى الأساسى، رغم استقبالى مجموعات من شباب الثوار، الذين طالبونى بالترشح ونظموا حملة ترشيحى لأننى أحمل دوراً وطنياً على عاتقى سأبدأه من مدينة زويل للتكنولوجيا.
■ هل ترى مصر تمتلك رؤية واضحة للمستقبل؟
- أرى أن الرؤية ضائعة فى مصر، لأن الجميع يتنافس على «الكعكة» وهى مصر، لأن الرؤية لابد أن تكون شاملة وليست بالكلام، والانتخابات البرلمانية تعتبر مرحلة ابتدائية فى مراحل الريادة لمصر والتى تتطلب تغيير الدستور المصرى، واحترام القانون بدءاً من رئيس الجمهورية حتى العامل البسيط، والقيام بنهضة علمية شاملة، وإصلاح الإعلام المصرى لأن حالته سيئة، فهو إعلام سطحى ليست لديه قدرة على جمع المعلومة الحقيقية.
■ ما ملامح الدستور الذى تتمناه؟
- قرأت وثيقة الأزهر الشريف، ورأيتها عظيمة لنهضة البلاد، إلا أن مشكلة مصر الكبيرة اختلاف الآراء، وحان الوقت لإنهاء الصراعات والمشاكل والتركيز على الدستور وإعطاء فرصة للاستقرار، من خلال اجتماع القوى الوطنية حول دائرة مستديرة ووضع مصلحة مصر فى المقدمة، وترك المصالح الشخصية وراء ظهورنا، واختيار نخبة من القانونيين يختارهم الشعب والنخبة السياسية، لوضع الدستور، لأنه لا يوجد دستور فى العالم يضعه مجلس الشعب. لأن البرلمان هو السلطة التشريعية أى أنه إحدى سلطات الدولة فكيف يضع الدستور الذى سيحدد كل شىء فى الدولة لمدة ٥٠ أو ١٠٠ سنة قادمة.
■ إشكاليتا العلم وعلاقته بالدين والدين وعلاقته بالسياسة.. كيف نحلها؟
- مصر كانت تعيش محنة خلال الـ٣٠ سنة الماضية، وشبهت مصر بالمريض الذى لديه ورم فى المخ وقام جراح ماهر باستئصال الورم، وهو ثورة ٢٥ يناير، إلا أنه تبقى داخل الجرح بكتيريا، هى الصراعات السياسية التى تحتاج إلى تطهير.
■ ما رأيك فى مخاوف الكثيرين من صعود التيار الإسلامى؟
- لا أشعر بالقلق من ذلك، وقلت ذلك فى مناقشات عديدة، فهذا ليس شيئاً جديداً، فمصر منذ ١٥٠٠ عام قبل الميلاد، ومنذ أيام إخناتون بلد العقيدة والتدين والفكر الإيمانى، ويلعب الدين دورا مهما لكل الناس، وبالتالى لا يمكنى أن أقول إننى سأفعل شيئاً علمانياً يخالف الدين، وعندما تكون ثقافة الشعوب دينية فهذا شىء يُحترم على العين والرأس، وكان المصرى يتمتع بالسماحة الدينية، فى كل الحضارات الإسلامية والقبطية والفرعونية، لذلك لابد أن تكون هناك دولة ديمقراطية حقيقية تحترم حقوق الإنسان والعدالة، فالتدين الشخصى هو علاقة بين الإنسان وربه. كما أننى لن أخاف إذا جاء مجلس الشعب القادم أغلبه إسلاميون، لأن الشعب المصرى فى النهاية هو الذى سيحكم على أدائهم، ولابد أن يتحول رجل الدين فى مجلس الشعب، سواء كان مسيحياً أو إخوانياً أو سلفياً إلى رجل سياسة، لأنه مسؤول أمام الشعب عن الوضع السياسى للدولة، وإلا سأخرجه من المجلس. وعندما نضع مصر على أعتاب الديمقراطية الحقيقية، وفقاً لدستور صحيح، لابد من احترام نتائج التغيير، فالدستور هو أساس الخرسانة التشريعية، مهما تعددت الطوائف فى المجتمع، فعلى سبيل المثال سنجد فى الولايات المتحدة الأمريكية اليمين المتشدد جداً والوسط واليسار والديمقراطى، وتذهب وتأتى الحكومات فى إطار اللعبة السياسية، وإذا لم يتم وضع دستور قوى لمصر، سندخل دوامات ونعيش ما يقرب من ١٠ سنوات فى نزاعات وكلام.
■ هل تخشى غلق مكان علمى مثل مدينة زويل العلمية من جانب تلك التيارات؟
- يجمع كل التيارات الإسلامية منهج واحد هو القرآن الكريم، المبنى على كلمة إقرأ، فالمعرفة مذكورة فى كل مكان، وميول الدين والسياسة تتوحد عند الحديث عن العلم، وفى مصر لا يعترض أحد على فكرة رفع مستوى وشأن مصر العلمى، فعندما ذهبت للانتخاب استقبلنى أمام اللجنة عدد من السلفيين استقبالا حافلا، ورغم قول الرئيس السابق دوماً إنه لا يرى فى مصر من يصلح لمنصب نائب الرئيس، إلا أن مصر بها الكثيرون من العلماء المحترمين الأمناء الصادقين، ورغم اختلاف آرائهم، إلا أن لديهم رؤية جديدة.
■ ما مفهوم الدولة المدنية فى نظرك.. وهل تتعارض مع الدين؟
- هناك تصنيف لهذه الكلمة فى الإسلام، فلا يوجد ما يسمى دولة دينية بالمعنى الغربى، فالدين دين شخص، وعلاقة شخص بربه، فى المسجد أو المنزل أو الكنيسة، والدستور سيحدد العلاقات بين الأفراد فى المجتمع، وليس بين الشخص وربه، وهو ما لن يقدر الدستور على تنظيمه، وأهم ما فى الدستور روح القانون، ليمتد العمل به نحو ١٠٠ عام، وبالتالى لابد أن يراعى ديناميكية الزمن، سواء على مستوى مراعاة حقوق الإنسان أو العدالة الاجتماعية والمواطنة، وإلا سيتلون المجتمع وينقسم، وتضيع الدولة، وتنشب فيها النزاعات، فوضع الدستور مثل القوانين العلمية التى تضع الخطوط العريضة للعلماء، التى نضل الطريق دونها، ولذلك لابد أن نراعى مصلحة مصر الحقيقية عند وضع مبادئ الدستور، للنهوض بمصر، وأن تكون على قدر عظمة وثيقة الأزهر، التى ستساعد على إحداث نقلة حديثة، ونمر الآن بمحنة تأسيس الديمقراطية، وكلما مرت السنوات خاصة الأربع الأولى فى تاريخ مصر بعد الثورة كلما زاد الوعى والنضج السياسى، وستتكون لدينا رؤية سياسية.
■ كيف يرى المواطن البسيط مدينة زويل العلمية فى تقديرك؟
- سيكون افتراء منى لو قلت إنه لا يوجد فى مصر علماء متميزون، ولا توجد مراكز علمية فى مصر تؤدى أعمالاً جيدة على المستويين المحلى والعالمى، لكن المشكلة فى مصر هى عدم وجود قاعدة علمية، ترفع من شأن الإنسان، وتزيد الإنتاج المصرى، ليدخل مرحلة الإنتاج العالمى.
نحن فى حاجة لتغيير المنظومة كاملة، لتغيير المناخ والثقافة العلمية، لأن العلم من أجل العلم أولاً، ولابد من اختيار علماء حقيقيين، ويكون هدف العلم هو إفادة الدولة والعالم، ونحن أسسنا المدينة عام ٢٠٠٠ بوضع حجر الأساس، لتكون جامعة متخصصة فى العلوم الحديثة، وليست مجرد جامعة خاصة أو عادية، وألا تكون أقل، مثلاً، من الجامعات الهندية.
وكان الهدف منها أيضاً أن تكون لدينا معاهد متميزة، تدخل بالطالب بعد تخرجه من الجامعات فى تخصصات لأبحاث متطورة، وقد يتجه بعدها الباحث إلى الحياة الأكاديمية ليصبح أستاذا يشع علمه للآخرين، أو أن يكون عالماً فى إطار هرم تكنولوجى، ويكون مهنياً على أحدث طراز، يواكب مستوى خريج الجامعات العالمية، أياً كان مستوى أسرته، طالما كان لديه فكر وعمل واختراع، وسترى المدينة تلك العبقرية، فى ظل الظروف المادية للباحث، وستدخل معه فى شراكة لتمويله فى البداية، على أن يعود جزء مادى للجامعة بعد تسويق منتجه، ونجاحه على المستوى العالمى، وبالتالى تدور العجلة، ولن تقوم الجامعة بهذا الدور إذا ظلت المراكز البحثية والجامعات فى عزلة، فلابد من عمل مسح لتلك المراكز لربط المتميزة منها أكاديمياً.
■ كيف يمكن للمواطن المصرى الذى يحلم بمستقبل علمى لمصر أن يدرس فى المدينة؟
- دخول الجامعة لن يعتمد على الوساطة أو التقدير المادى، حتى لو تم دفع الملايين، فلدينا مجموعة متميزة جداً لإدارة الجامعة، وبدأنا طريق مراكز البحوث المتطورة، وبدأنا بأول مركز، وهو معهد الدكتور «حلمى»، نسبة إلى الدكتور حسن عباس حلمى، رائد صناعة الدواء فى مصر، الذى تبرع بـ٢٥٠ مليون جنيه للجامعة، حيث يرى فيها مستقبل مصر، حلمت معه منذ سنوات بالجامعة، وشرحت له قدرات المدينة، وفى اليوم التالى وجدته يعد شيكات التبرع.
وكان الدكتور محمد العريان أول المتبرعين للجامعة بمبلغ ٣٠ مليون جنيه، وكذلك البنك الأهلى المصرى بمبلغ ٢٥٠ مليون جنيه، كما ساعدنا فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى، الذى يؤمن بأن تغيير مصر لن يتم إلا بتغيير المنظومة العلمية كلها، وهناك تبرعات أخرى جاءت من نحو ٣٩ بنكاً، وهناك تبرعات فى الطريق، لكننا لن نشحت للمشروع، لأنه «عيب علينا»، الاقتراض من الشعوب الأخرى، فلو تبرع كل مصرى من أسرة متوسطة بمبلغ ١٠٠ جنيه سنجمع المبلغ المطلوب، ولو تبرع أى مواطن بـ٥٠ قرشاً، سيكون ساهم ولو بـ«طوبة» فى المدينة. فنحن لن «نشحت» من الخارج لبناء المدينة.
■ هل تتعهد أمام الشعب المصرى بنقل مصر إلى الخريطة العلمية بهذه المدينة؟
- أؤمن بأننا مؤسسة لابد أن تتمتع بالشفافية والشرعية، لذلك نرفض التمويل الأجنبى أو الشراكة فى المشروع، ليكون قومياً، لا يملكه شخص أو مؤسسة، على الرغم من تلقينا عروضاً لتمويله من الولايات المتحدة ودول أوروبية، فأرض المشروع مصرية وملكيتها عامة، لنهضة كل المصريين، لكننا نحتاج وقفاً لتمويل المشروع، بالطريقة الصحيحة، مثلما خصصت مؤسسة «مصر الخير» صندوقاً خاصاً للجامعة، خاصة بعد فتوى مفتى الديار بأن التبرع للجامعة جزء من الزكاة. ومبادرة رجل الأعمال محمد الأمين، رئيس مجلس إدارة قنوات الـcbc، بالتبرع بمبلغ مادى للجامعة، وتخصيص حملات إعلانية لدعمها دليل على وجود مصريين وطنيين، يرغبون فى بناء الدولة.
■ كيف يمكن للشباب تحقيق هذا الحلم؟
- مجلس أمناء الجامعة سيعقد اجتماعا لوضع التصور الأكاديمى لها، كما نضع منظومة الجامعة على موقع خاص إلكترونى، لبيان شروط المتقدمين لها، منهم المتفوقون فى الثانوية العامة، وسنجرى اختبارات للمتقدمين بمعايير تختلف عن معايير التقدم لمكاتب التنسيق، خاصة فى التخصصات القوية التى تعتمد على شغف الطالب بشىء، ونسعى لربط العلوم الحديثة ببعضها فى أكثر من تخصص.
■ ما تعليقك على ما يردده البعض بأننا بحاجة إلى ٥٠ عاماً لتنهض مصر؟
- كان النظام السابق يقول إننا دولة فقيرة، وكل هذا الكلام مجرد تعجيز للشعب المصرى، والشعب المصرى ما يستهلش ده، فطاقات الشباب مليئة، وكذلك الطاقات المادية كبيرة ومخزونة، ولا يوجد لها توظيف، والنظام السابق كان يتحجج بكثرة أعداد المواليد، فى حين تجاوز عدد سكان الصين المليار، ورغم ذلك استغلت العقل البشرى القوى ليخرج أحسن ما لديه.
■ هل لديك ثقة فى العقلية المصرية؟
- بالتأكيد، لكن إذا وضعناها فى الطريق الصحيح، فالمصريون فى الخارج يقودون عجلة الإنتاج على المستوى العالمى، لكننا للأسف كنا نفعل شيئاً من اثنين: إما أن «نطفشهم للخارج» أو نهمل استغلالهم.
■ كيف نستفيد من العقول المصرية فى الخارج؟
- للمدينة مجلس أمناء قومى وعالمى، منهم ٦ حاصلون على جائزة نوبل.. والأكاديميون العالميون المشاركون فى المجلس سيزورون مصر مرة أو اثنتين فى السنة، لإعطائنا الرؤية العالمية.
■ إلى أين يذهب العالم.. وما أحدث الفتوحات العلمية؟
- فى القرن الـ١٩ كنا نحاول فهم معنى كلمة «المادة»، وفى القرن الـ٢٠ حاولنا فهم معنى كلمة «الذرة»، التى خرجت منها أبحاث علمية حقيقية غيّرت اقتصاد العالم كله، ومن أهم تلك العلوم علوم الحياة المعقدة، التى تسعى لكشف طبيعتها لعلاج أمراض معينة بالتحكم فى الخلايا، كما يوجد التقدم الهائل فى علوم الفضاء «اللى إحنا العرب ناميين فيه».
■ ما تعليقك على اكتشاف وكالة ناسا كوكباً جديداً يشتبه فى قرب مناخه من الأرض وتوقع وجود حياة عليه؟
- يركز الأمريكان فى أبحاثهم الفضائية على كوكب المريخ، وتمكنوا من إرسال سفينة فضاء، بها كل المعامل اللازمة لإجراء الدراسات وأخذ العينات من تربة هذا الكوكب، فهم ينفقون المليارات على هذه الأبحاث، ويفكرون فى خلق مناخ على القمر مثل مناخ الأرض، وبحثهم فى اكتشاف أى نوع من الحياة على الكواكب الأخرى يأتى من شغفهم باكتشاف مياه أو معادن أو أناس آخرين ربما يكونون أكثر منا قوة على تلك الكواكب.
■ هل تشعر بالإحباط من استمرار انشغالنا فى التفكير بأمور حسمها العالم منذ سنوات؟
- لا.. وقلت إن التغيير قادم، أسرع مما نتصور، فالبلد به شباب يحب العلم، وهو ما يتضح لى عندما أرى حرص ما يقرب من ٥ آلاف فرد على حضور محاضرة لى، فلدينا طاقات بشرية هائلة، تحتاج المناخ الصحيح، وتحتاج الإيمان بالقضية، والتركيز على أفراد ومراكز متميزة مثلما فعلت الهند.
■ ما أوجه الاستفادة من البحث العلمى الذى ستنشره وفريقك البحثى بمجلة Science العلمية يوم ٦ يناير المقبل؟
- بعد جائزة نوبل طورنا الميكروسكوب الإلكترونى، ولم يكن فى الماضى له عامل الزمن، لكننا استطعنا تكبير حجم الخلية، للدخول على منطقة مرضية معينة، ومعرفة التركيبة الديناميكية لها، فى جزء من الخلية، ويعتمد هذا البحث على تغيير ديناميكية الجزء من الخلية.
مصر فوق الجميع
إلى شعب مصر العظيم.. إلى شباب مصر العظيم.. إلى جيش مصر العظيم
■ إن مصر الآن فى مفترق الطرق بين عالمين - عالم الماضى الذى عمّ فيه الفساد والديكتاتورية والجهل، وعالم المستقبل الذى نتطلع فيه إلى الشفافية والديمقراطية والمعرفة، وهذا هو المستقبل الذى من أجله قامت ثورة ٢٥ يناير.
■ اليوم، العالم أجمع يرى مصر فى صورتين متناقضتين: الأولى منهما متحضّرة لثورة لم تحدث فى التاريخ من قبل، والأخرى تعكس الهمجية والعشوائية وأيضاً البلطجة.
■ أما الأسرة المصرية فهى فى حالة من القلق والارتباك، وبالفعل بدا الانقسام واضحاً بين داعم للثورة العظيمة ومعارض لأوضاع البلاد لما وصلت إليه الحالة الأمنية والاقتصادية.
■ إلى كل المصريين:
التاريخ يحدثنا عن أن أى تحول ديمقراطى لأمة هو أمر صعب، ودائماً ما تصحبه الأزمات والخلافات، وفى بعض الأحيان الرجوع إلى أوضاع سوداوية، ومنذ قيام ثورة ٢٥ يناير وأنا متفائل بمستقبل مصر، مع علمى بتزايد المخاطر وكثرة الأخطاء، ولكن ثقتى الكبيرة تكمن فى عبقرية مصر والمصريين عبر التاريخ، وفى شباب مصر الوطنى، الذى كان لى شرف لقاء البعض منهم فى أثناء الثورة أو فى لقاءاتى عبر المحاضرات والأحاديث العامة.
ولكن اليوم تتجه الأمور إلى لبس حقيقى بين الديمقراطية والفوضى، وبين أبناء الثورة والدخلاء على الثورة، وأيضاً بين الشعب والجيش من ناحية، وبين دعاة الهدم والتدمير من ناحية أخرى. وهذه أمور خطيرة تجعلنا فى حالة من عدم الراحة على «أمة فى خطر»، ولكنى على يقين بأنه فى هذه اللحظة التاريخية يمكن تصحيح المسار، وذلك بعودة العقل وعودة الضمير، وعليه أقترح مشروعاً من عدة نقاط:
أولاً: على الحركات الثورية والشعبية الوطنية أن يعلنوا بوضوح عدم التواجد فى شوارع وميادين مصر، وبذلك يتم حصر المشاغبين والبلطجية، حيث إنه لا يوجد مصرى وطنى يقبل بالأعمال الإجرامية والاعتداء على المنشآت والمؤسسات العامة بما فيها كنوز مصر، مثلما حدث فى المجمع العلمى العريق.
ثانياً: وقف فورى لحالة العنف فى الشوارع والميادين وانصراف المتظاهرين لهدنة حقيقية، مع عودة الشرطة للحماية وضمان الاستقرار.
ثالثاً: على القضاء المصرى أن يقوم بنشر الصورة الكاملة من خلال النشر الإعلامى الواضح والدقيق لما هو قانونى لحالات التظاهر والاعتصام السلميين، وعلى الأمن والجيش أن يتبعا هذه القوانين ويطبقاها بحزم، ليقوم القضاء فى أسرع وقت بمحاكمة عادلة لكل من ارتكب أخطاء، سواء من قوات الأمن أو المواطنين.
رابعاً: مع احترامى لقرار بعض أعضاء المجلس الاستشارى بالاستقالة أو الانسحاب، إلا أن هذه الظروف هى بذاتها التى تتطلب من بقية أعضاء المجلس القيام بمهامهم، وتحمل المسؤولية من خلال التواصل بين المجلس العسكرى والشعب، ووضع خطة واضحة المعالم ومحددة زمنياً لإعطاء الحكومة الفرصة للوصول إلى حل المشكلات الأساسية للأمن والاقتصاد، وحيث إنها تمتد لشهور قليلة، فهذا من السهل تحقيقه، خدمةً للوطن.
خامساً: على الإعلام أجمع أن يتحمل المسؤولية الوطنية، وأن يكون إعلام للمعلومة الحقيقية وليس التحريض، فالمصلحة العامة تقتضى الترابط الجمعى للخروج بالبلاد إلى طريق النور. وفى تقديرى، يجب على النقابات المعنية أن تقوم بدورها الوطنى للحث على احترام هذا الظرف التاريخى.
سادساً: التركيز فى المرحلة المقبلة على وضع دستور مبنى على العدالة الاجتماعية وحق المواطنة وحقوق المرأة والتغيير للديمقراطية الحقيقية.
■ الشعب العظيم: بعد ٥٠ عاماً من الآن سوف يسأل التاريخ: ماذا فعل المصريون لمصر؟ وماذا قدموا للذين استشهدوا من أجل مصر؟
نتمنى من الله العلى القدير أن يوفقنا جميعاً لتكون الإجابة، هى أن شعب مصر العظيم قد أذهل العالم وقاد مسيرة الديمقراطية فى العالم العربى.
والسلام عليكم
د. أحمد زويل
«ما نعيشه حالياً صراع سياسى على مكاسب، وعلينا أن نجعل مصلحة مصر فى المقام الأول، لأن ذلك لم يحدث حتى هذه اللحظة».. بهذه الكلمات عبر العالم المصرى، الدكتور أحمد زويل، عن تقديره لملامح المرحلة التى تمر بها مصر حاليا وكيفية الخروج من هذه المحنة.
وطالب «زويل»، أثناء حواره لبرنامج «لازم نفهم»، الذى قدمه الكاتب الصحفى والإعلامى مجدى الجلاد، على فضائية «cbc»، مساء أمس الأول، بالإسراع فى تشكيل لجنة حكماء ليس لها طموح سياسى فى أسرع وقت، وعدم التسرع فى استقالة أعضاء المجلس الاستشارى، موضحاً أن الظروف الحالية تتطلب التواصل بين المجلس والشعب. وطالب «زويل»، وسائل الإعلام بعدم التحريض عل ى الإثارة، والالتزام بنشر المعلومات الحقيقية، وكشف الحقائق دون تضليل.. وإلى نص الحوار:
■ بداية ما رؤيتك للخروج من المأزق الذى تعيشه مصر؟
- للخروج من هذا المأزق يجب وقف فورى لحالة العنف وعودة الشرطة لدورها الحقيقى، وهو حماية المواطنين، وعدم تواجد الحركة الثورية فى ميادين وشوارع مصر فترة معينة، وبذلك يمكن القبض على البلطجية والخارجين على القانون، وأن يقوم القضاء بتوضيح مدى قانونية الاعتصام ويجب على قوات الجيش اتباع هذه القوانين، ومع احترامى لقرار بعض أعضاء المجلس الاستشارى تقديم استقالته احتجاجا على الإفراط فى استخدام العنف مع المتظاهرين، إلا أن هذه الظروف تتطلب التواصل بين المجلس العسكرى والشعب، ووضع خطة واضحة للحكومة للوصول إلى حل. وعلينا أن نصبر عدة أشهر حتى ينتخب رئيس من الشعب، ويجب على الإعلام تحمل المسؤولية، وعدم التحريض والالتزام بالمصداقية والشفافية، والتركيز فى المرحلة المقبلة على وضع دستور مبنى على حق المواطنة والمرأة والعدالة الاجتماعية.
■ ألمح فى عينيك الدموع.. هل وصلنا إلى مرحلة اليأس؟
- أبكى لأن مصر ما تستاهلش يحصل فيها كده، ومش معقول تاريخها الطويل نضيعه بأيدينا، ولن أصل إلى مرحلة اليأس، لأننى أملك قناعة بأن مصر لديها عبقرية تاريخية وتستطيع المرور من الأزمات بتاريخها العظيم.
■ من التحضر خلال ثورة يناير إلى البلطجة الآن.. ما تشخيصك للأمر؟
- خلال الـ١٠ أشهر الماضية حدث خلط بين الثوار الأحرار الذين دفعوا دماءهم ثمنا لحرية مصر، وبين دخلاء الثورة المأجورين، الذين لديهم طموح بإسقاط هيبة الدولة المصرية وينتشرون فى شوارع وميادين مصر.
■ ما القنوات الشرعية لتعبير الشباب عن مطالبهم؟
- توجد طرق مختلفة للتعبير عن مطالب الشباب بصور شرعية، أهمها أن يتم التعبير عن المطالب بصورة سلمية، وأن يتحدث المجلس العسكرى بشكل واضح عن هذه المطالب، حتى تكون هناك شفافية.
■ قبل ساعات قليلة اجتمع عدد من الشخصيات العامة ووضعوا مقترحاً للمجلس العسكرى بتأجيل انتخابات مجلس الشورى والإعلان عن الانتخابات الرئاسية فى يناير المقبل للخروج من هذه الأزمة؟
- لا أحب أن نعود خطوة إلى الوراء مرة أخرى، فالإعلان عن أن ٦٧% من المصريين خرجوا للتصويت فى الانتخابات البرلمانية أكبر دليل على أننا نخطو الخطوات الأولى نحو الديمقراطية، وعلينا أن نصبر عدة أشهر لانتخاب رئيس للجمهورية يختاره الشعب.
■ هل يوجد خلط بين الفوضى والحرية والديمقراطية فى مصر؟
- نعم يوجد خلط بين الديمقراطية والحرية والفوضى فى مصر، فالديمقراطية تعنى اختلاف الآراء لكن ليس معناها الخروج عن اللائق وممارسة التضليل السياسى، وإلا بذلك سنتحول إلى العشوائية والفوضى، وللأسف كارثة حرق المجمع العلمى لا تقل عن كارثة حرق مكتبة الإسكندرية القديمة.
■ المرحلة الانتقالية تتطلب أن تكون هناك لجنة حكماء ليس لديها طموح سياسى لوضع ملامح مستقبل مصر.. ما رأيك؟
- نعم .. لابد أن يكون هناك مجلس حكماء فى أسرع وقت، لأنه يجب أن يكون هناك عقلاء ليس لهم طموح سياسى يخبروننا مصر رايحة على فين، وفى جميع الدول التى نجحت بها الثورات، كان هناك حكماء متفقون فى آرائهم.
■ ما تقييمك لأداء المجلس العسكرى؟
- فى تقديرى، ومن خلال مقابلاتى مع عدد من قيادات المجلس، أعرف أنهم لا يريدون السلطة، ويرغبون فى تسليم البلاد إلى سلطة ديمقراطية وطنية لأن المجلس العسكرى مهمته الأساسية حماية البلاد، إلا أنه تسلم المسؤولية الوطنية بأكملها.
■ فى مارس الماضى تضمنت التعديلات الدستورية مادة منعت ترشح حامل الجنسية الأجنبية لانتخابات رئاسة الجمهورية.. كيف قرأت ذلك، خاصة وقد تردد أنها فصلت من أجلك؟
- أولا أنا أعرف أن المستشار طارق البشرى مثقف وله احترامه فى المجتمع، إلا أننى انزعجت من نص المادة، التى تقلل من المصرية التى بداخلى، وتحرم مصرياً يعيش خارج البلاد ويحمل جنسية أخرى من الترشح لرئاسة الجمهورية، ولم أشعر بمهانة لكنى شعرت بمعيبة لا تليق لأن الجنسية الأخرى لا تقلل من الوطنية، ورأيت أن هذه المادة نظرة ضيقة ولا تخدم مصلحة مصر، خاصة أن جزءاً كبيراً من الدخل القومى لمصر يعتمد على تحويلات المصريين من الخارج، فكيف يكون الرد عدم أحقيتنا فى الترشح لرئاسة الجمهورية.
■ هل شعرت حينها بمؤامرة تجاهك؟
- لا .. لأن الوطنية لا تباع أو تشترى، والترشح لرئاسة الجمهورية لم يكن هدفى الأساسى، رغم استقبالى مجموعات من شباب الثوار، الذين طالبونى بالترشح ونظموا حملة ترشيحى لأننى أحمل دوراً وطنياً على عاتقى سأبدأه من مدينة زويل للتكنولوجيا.
■ هل ترى مصر تمتلك رؤية واضحة للمستقبل؟
- أرى أن الرؤية ضائعة فى مصر، لأن الجميع يتنافس على «الكعكة» وهى مصر، لأن الرؤية لابد أن تكون شاملة وليست بالكلام، والانتخابات البرلمانية تعتبر مرحلة ابتدائية فى مراحل الريادة لمصر والتى تتطلب تغيير الدستور المصرى، واحترام القانون بدءاً من رئيس الجمهورية حتى العامل البسيط، والقيام بنهضة علمية شاملة، وإصلاح الإعلام المصرى لأن حالته سيئة، فهو إعلام سطحى ليست لديه قدرة على جمع المعلومة الحقيقية.
■ ما ملامح الدستور الذى تتمناه؟
- قرأت وثيقة الأزهر الشريف، ورأيتها عظيمة لنهضة البلاد، إلا أن مشكلة مصر الكبيرة اختلاف الآراء، وحان الوقت لإنهاء الصراعات والمشاكل والتركيز على الدستور وإعطاء فرصة للاستقرار، من خلال اجتماع القوى الوطنية حول دائرة مستديرة ووضع مصلحة مصر فى المقدمة، وترك المصالح الشخصية وراء ظهورنا، واختيار نخبة من القانونيين يختارهم الشعب والنخبة السياسية، لوضع الدستور، لأنه لا يوجد دستور فى العالم يضعه مجلس الشعب. لأن البرلمان هو السلطة التشريعية أى أنه إحدى سلطات الدولة فكيف يضع الدستور الذى سيحدد كل شىء فى الدولة لمدة ٥٠ أو ١٠٠ سنة قادمة.
■ إشكاليتا العلم وعلاقته بالدين والدين وعلاقته بالسياسة.. كيف نحلها؟
- مصر كانت تعيش محنة خلال الـ٣٠ سنة الماضية، وشبهت مصر بالمريض الذى لديه ورم فى المخ وقام جراح ماهر باستئصال الورم، وهو ثورة ٢٥ يناير، إلا أنه تبقى داخل الجرح بكتيريا، هى الصراعات السياسية التى تحتاج إلى تطهير.
■ ما رأيك فى مخاوف الكثيرين من صعود التيار الإسلامى؟
- لا أشعر بالقلق من ذلك، وقلت ذلك فى مناقشات عديدة، فهذا ليس شيئاً جديداً، فمصر منذ ١٥٠٠ عام قبل الميلاد، ومنذ أيام إخناتون بلد العقيدة والتدين والفكر الإيمانى، ويلعب الدين دورا مهما لكل الناس، وبالتالى لا يمكنى أن أقول إننى سأفعل شيئاً علمانياً يخالف الدين، وعندما تكون ثقافة الشعوب دينية فهذا شىء يُحترم على العين والرأس، وكان المصرى يتمتع بالسماحة الدينية، فى كل الحضارات الإسلامية والقبطية والفرعونية، لذلك لابد أن تكون هناك دولة ديمقراطية حقيقية تحترم حقوق الإنسان والعدالة، فالتدين الشخصى هو علاقة بين الإنسان وربه. كما أننى لن أخاف إذا جاء مجلس الشعب القادم أغلبه إسلاميون، لأن الشعب المصرى فى النهاية هو الذى سيحكم على أدائهم، ولابد أن يتحول رجل الدين فى مجلس الشعب، سواء كان مسيحياً أو إخوانياً أو سلفياً إلى رجل سياسة، لأنه مسؤول أمام الشعب عن الوضع السياسى للدولة، وإلا سأخرجه من المجلس. وعندما نضع مصر على أعتاب الديمقراطية الحقيقية، وفقاً لدستور صحيح، لابد من احترام نتائج التغيير، فالدستور هو أساس الخرسانة التشريعية، مهما تعددت الطوائف فى المجتمع، فعلى سبيل المثال سنجد فى الولايات المتحدة الأمريكية اليمين المتشدد جداً والوسط واليسار والديمقراطى، وتذهب وتأتى الحكومات فى إطار اللعبة السياسية، وإذا لم يتم وضع دستور قوى لمصر، سندخل دوامات ونعيش ما يقرب من ١٠ سنوات فى نزاعات وكلام.
■ هل تخشى غلق مكان علمى مثل مدينة زويل العلمية من جانب تلك التيارات؟
- يجمع كل التيارات الإسلامية منهج واحد هو القرآن الكريم، المبنى على كلمة إقرأ، فالمعرفة مذكورة فى كل مكان، وميول الدين والسياسة تتوحد عند الحديث عن العلم، وفى مصر لا يعترض أحد على فكرة رفع مستوى وشأن مصر العلمى، فعندما ذهبت للانتخاب استقبلنى أمام اللجنة عدد من السلفيين استقبالا حافلا، ورغم قول الرئيس السابق دوماً إنه لا يرى فى مصر من يصلح لمنصب نائب الرئيس، إلا أن مصر بها الكثيرون من العلماء المحترمين الأمناء الصادقين، ورغم اختلاف آرائهم، إلا أن لديهم رؤية جديدة.
■ ما مفهوم الدولة المدنية فى نظرك.. وهل تتعارض مع الدين؟
- هناك تصنيف لهذه الكلمة فى الإسلام، فلا يوجد ما يسمى دولة دينية بالمعنى الغربى، فالدين دين شخص، وعلاقة شخص بربه، فى المسجد أو المنزل أو الكنيسة، والدستور سيحدد العلاقات بين الأفراد فى المجتمع، وليس بين الشخص وربه، وهو ما لن يقدر الدستور على تنظيمه، وأهم ما فى الدستور روح القانون، ليمتد العمل به نحو ١٠٠ عام، وبالتالى لابد أن يراعى ديناميكية الزمن، سواء على مستوى مراعاة حقوق الإنسان أو العدالة الاجتماعية والمواطنة، وإلا سيتلون المجتمع وينقسم، وتضيع الدولة، وتنشب فيها النزاعات، فوضع الدستور مثل القوانين العلمية التى تضع الخطوط العريضة للعلماء، التى نضل الطريق دونها، ولذلك لابد أن نراعى مصلحة مصر الحقيقية عند وضع مبادئ الدستور، للنهوض بمصر، وأن تكون على قدر عظمة وثيقة الأزهر، التى ستساعد على إحداث نقلة حديثة، ونمر الآن بمحنة تأسيس الديمقراطية، وكلما مرت السنوات خاصة الأربع الأولى فى تاريخ مصر بعد الثورة كلما زاد الوعى والنضج السياسى، وستتكون لدينا رؤية سياسية.
■ كيف يرى المواطن البسيط مدينة زويل العلمية فى تقديرك؟
- سيكون افتراء منى لو قلت إنه لا يوجد فى مصر علماء متميزون، ولا توجد مراكز علمية فى مصر تؤدى أعمالاً جيدة على المستويين المحلى والعالمى، لكن المشكلة فى مصر هى عدم وجود قاعدة علمية، ترفع من شأن الإنسان، وتزيد الإنتاج المصرى، ليدخل مرحلة الإنتاج العالمى.
نحن فى حاجة لتغيير المنظومة كاملة، لتغيير المناخ والثقافة العلمية، لأن العلم من أجل العلم أولاً، ولابد من اختيار علماء حقيقيين، ويكون هدف العلم هو إفادة الدولة والعالم، ونحن أسسنا المدينة عام ٢٠٠٠ بوضع حجر الأساس، لتكون جامعة متخصصة فى العلوم الحديثة، وليست مجرد جامعة خاصة أو عادية، وألا تكون أقل، مثلاً، من الجامعات الهندية.
وكان الهدف منها أيضاً أن تكون لدينا معاهد متميزة، تدخل بالطالب بعد تخرجه من الجامعات فى تخصصات لأبحاث متطورة، وقد يتجه بعدها الباحث إلى الحياة الأكاديمية ليصبح أستاذا يشع علمه للآخرين، أو أن يكون عالماً فى إطار هرم تكنولوجى، ويكون مهنياً على أحدث طراز، يواكب مستوى خريج الجامعات العالمية، أياً كان مستوى أسرته، طالما كان لديه فكر وعمل واختراع، وسترى المدينة تلك العبقرية، فى ظل الظروف المادية للباحث، وستدخل معه فى شراكة لتمويله فى البداية، على أن يعود جزء مادى للجامعة بعد تسويق منتجه، ونجاحه على المستوى العالمى، وبالتالى تدور العجلة، ولن تقوم الجامعة بهذا الدور إذا ظلت المراكز البحثية والجامعات فى عزلة، فلابد من عمل مسح لتلك المراكز لربط المتميزة منها أكاديمياً.
■ كيف يمكن للمواطن المصرى الذى يحلم بمستقبل علمى لمصر أن يدرس فى المدينة؟
- دخول الجامعة لن يعتمد على الوساطة أو التقدير المادى، حتى لو تم دفع الملايين، فلدينا مجموعة متميزة جداً لإدارة الجامعة، وبدأنا طريق مراكز البحوث المتطورة، وبدأنا بأول مركز، وهو معهد الدكتور «حلمى»، نسبة إلى الدكتور حسن عباس حلمى، رائد صناعة الدواء فى مصر، الذى تبرع بـ٢٥٠ مليون جنيه للجامعة، حيث يرى فيها مستقبل مصر، حلمت معه منذ سنوات بالجامعة، وشرحت له قدرات المدينة، وفى اليوم التالى وجدته يعد شيكات التبرع.
وكان الدكتور محمد العريان أول المتبرعين للجامعة بمبلغ ٣٠ مليون جنيه، وكذلك البنك الأهلى المصرى بمبلغ ٢٥٠ مليون جنيه، كما ساعدنا فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى، الذى يؤمن بأن تغيير مصر لن يتم إلا بتغيير المنظومة العلمية كلها، وهناك تبرعات أخرى جاءت من نحو ٣٩ بنكاً، وهناك تبرعات فى الطريق، لكننا لن نشحت للمشروع، لأنه «عيب علينا»، الاقتراض من الشعوب الأخرى، فلو تبرع كل مصرى من أسرة متوسطة بمبلغ ١٠٠ جنيه سنجمع المبلغ المطلوب، ولو تبرع أى مواطن بـ٥٠ قرشاً، سيكون ساهم ولو بـ«طوبة» فى المدينة. فنحن لن «نشحت» من الخارج لبناء المدينة.
■ هل تتعهد أمام الشعب المصرى بنقل مصر إلى الخريطة العلمية بهذه المدينة؟
- أؤمن بأننا مؤسسة لابد أن تتمتع بالشفافية والشرعية، لذلك نرفض التمويل الأجنبى أو الشراكة فى المشروع، ليكون قومياً، لا يملكه شخص أو مؤسسة، على الرغم من تلقينا عروضاً لتمويله من الولايات المتحدة ودول أوروبية، فأرض المشروع مصرية وملكيتها عامة، لنهضة كل المصريين، لكننا نحتاج وقفاً لتمويل المشروع، بالطريقة الصحيحة، مثلما خصصت مؤسسة «مصر الخير» صندوقاً خاصاً للجامعة، خاصة بعد فتوى مفتى الديار بأن التبرع للجامعة جزء من الزكاة. ومبادرة رجل الأعمال محمد الأمين، رئيس مجلس إدارة قنوات الـcbc، بالتبرع بمبلغ مادى للجامعة، وتخصيص حملات إعلانية لدعمها دليل على وجود مصريين وطنيين، يرغبون فى بناء الدولة.
■ كيف يمكن للشباب تحقيق هذا الحلم؟
- مجلس أمناء الجامعة سيعقد اجتماعا لوضع التصور الأكاديمى لها، كما نضع منظومة الجامعة على موقع خاص إلكترونى، لبيان شروط المتقدمين لها، منهم المتفوقون فى الثانوية العامة، وسنجرى اختبارات للمتقدمين بمعايير تختلف عن معايير التقدم لمكاتب التنسيق، خاصة فى التخصصات القوية التى تعتمد على شغف الطالب بشىء، ونسعى لربط العلوم الحديثة ببعضها فى أكثر من تخصص.
■ ما تعليقك على ما يردده البعض بأننا بحاجة إلى ٥٠ عاماً لتنهض مصر؟
- كان النظام السابق يقول إننا دولة فقيرة، وكل هذا الكلام مجرد تعجيز للشعب المصرى، والشعب المصرى ما يستهلش ده، فطاقات الشباب مليئة، وكذلك الطاقات المادية كبيرة ومخزونة، ولا يوجد لها توظيف، والنظام السابق كان يتحجج بكثرة أعداد المواليد، فى حين تجاوز عدد سكان الصين المليار، ورغم ذلك استغلت العقل البشرى القوى ليخرج أحسن ما لديه.
■ هل لديك ثقة فى العقلية المصرية؟
- بالتأكيد، لكن إذا وضعناها فى الطريق الصحيح، فالمصريون فى الخارج يقودون عجلة الإنتاج على المستوى العالمى، لكننا للأسف كنا نفعل شيئاً من اثنين: إما أن «نطفشهم للخارج» أو نهمل استغلالهم.
■ كيف نستفيد من العقول المصرية فى الخارج؟
- للمدينة مجلس أمناء قومى وعالمى، منهم ٦ حاصلون على جائزة نوبل.. والأكاديميون العالميون المشاركون فى المجلس سيزورون مصر مرة أو اثنتين فى السنة، لإعطائنا الرؤية العالمية.
■ إلى أين يذهب العالم.. وما أحدث الفتوحات العلمية؟
- فى القرن الـ١٩ كنا نحاول فهم معنى كلمة «المادة»، وفى القرن الـ٢٠ حاولنا فهم معنى كلمة «الذرة»، التى خرجت منها أبحاث علمية حقيقية غيّرت اقتصاد العالم كله، ومن أهم تلك العلوم علوم الحياة المعقدة، التى تسعى لكشف طبيعتها لعلاج أمراض معينة بالتحكم فى الخلايا، كما يوجد التقدم الهائل فى علوم الفضاء «اللى إحنا العرب ناميين فيه».
■ ما تعليقك على اكتشاف وكالة ناسا كوكباً جديداً يشتبه فى قرب مناخه من الأرض وتوقع وجود حياة عليه؟
- يركز الأمريكان فى أبحاثهم الفضائية على كوكب المريخ، وتمكنوا من إرسال سفينة فضاء، بها كل المعامل اللازمة لإجراء الدراسات وأخذ العينات من تربة هذا الكوكب، فهم ينفقون المليارات على هذه الأبحاث، ويفكرون فى خلق مناخ على القمر مثل مناخ الأرض، وبحثهم فى اكتشاف أى نوع من الحياة على الكواكب الأخرى يأتى من شغفهم باكتشاف مياه أو معادن أو أناس آخرين ربما يكونون أكثر منا قوة على تلك الكواكب.
■ هل تشعر بالإحباط من استمرار انشغالنا فى التفكير بأمور حسمها العالم منذ سنوات؟
- لا.. وقلت إن التغيير قادم، أسرع مما نتصور، فالبلد به شباب يحب العلم، وهو ما يتضح لى عندما أرى حرص ما يقرب من ٥ آلاف فرد على حضور محاضرة لى، فلدينا طاقات بشرية هائلة، تحتاج المناخ الصحيح، وتحتاج الإيمان بالقضية، والتركيز على أفراد ومراكز متميزة مثلما فعلت الهند.
■ ما أوجه الاستفادة من البحث العلمى الذى ستنشره وفريقك البحثى بمجلة Science العلمية يوم ٦ يناير المقبل؟
- بعد جائزة نوبل طورنا الميكروسكوب الإلكترونى، ولم يكن فى الماضى له عامل الزمن، لكننا استطعنا تكبير حجم الخلية، للدخول على منطقة مرضية معينة، ومعرفة التركيبة الديناميكية لها، فى جزء من الخلية، ويعتمد هذا البحث على تغيير ديناميكية الجزء من الخلية.
مصر فوق الجميع
إلى شعب مصر العظيم.. إلى شباب مصر العظيم.. إلى جيش مصر العظيم
■ إن مصر الآن فى مفترق الطرق بين عالمين - عالم الماضى الذى عمّ فيه الفساد والديكتاتورية والجهل، وعالم المستقبل الذى نتطلع فيه إلى الشفافية والديمقراطية والمعرفة، وهذا هو المستقبل الذى من أجله قامت ثورة ٢٥ يناير.
■ اليوم، العالم أجمع يرى مصر فى صورتين متناقضتين: الأولى منهما متحضّرة لثورة لم تحدث فى التاريخ من قبل، والأخرى تعكس الهمجية والعشوائية وأيضاً البلطجة.
■ أما الأسرة المصرية فهى فى حالة من القلق والارتباك، وبالفعل بدا الانقسام واضحاً بين داعم للثورة العظيمة ومعارض لأوضاع البلاد لما وصلت إليه الحالة الأمنية والاقتصادية.
■ إلى كل المصريين:
التاريخ يحدثنا عن أن أى تحول ديمقراطى لأمة هو أمر صعب، ودائماً ما تصحبه الأزمات والخلافات، وفى بعض الأحيان الرجوع إلى أوضاع سوداوية، ومنذ قيام ثورة ٢٥ يناير وأنا متفائل بمستقبل مصر، مع علمى بتزايد المخاطر وكثرة الأخطاء، ولكن ثقتى الكبيرة تكمن فى عبقرية مصر والمصريين عبر التاريخ، وفى شباب مصر الوطنى، الذى كان لى شرف لقاء البعض منهم فى أثناء الثورة أو فى لقاءاتى عبر المحاضرات والأحاديث العامة.
ولكن اليوم تتجه الأمور إلى لبس حقيقى بين الديمقراطية والفوضى، وبين أبناء الثورة والدخلاء على الثورة، وأيضاً بين الشعب والجيش من ناحية، وبين دعاة الهدم والتدمير من ناحية أخرى. وهذه أمور خطيرة تجعلنا فى حالة من عدم الراحة على «أمة فى خطر»، ولكنى على يقين بأنه فى هذه اللحظة التاريخية يمكن تصحيح المسار، وذلك بعودة العقل وعودة الضمير، وعليه أقترح مشروعاً من عدة نقاط:
أولاً: على الحركات الثورية والشعبية الوطنية أن يعلنوا بوضوح عدم التواجد فى شوارع وميادين مصر، وبذلك يتم حصر المشاغبين والبلطجية، حيث إنه لا يوجد مصرى وطنى يقبل بالأعمال الإجرامية والاعتداء على المنشآت والمؤسسات العامة بما فيها كنوز مصر، مثلما حدث فى المجمع العلمى العريق.
ثانياً: وقف فورى لحالة العنف فى الشوارع والميادين وانصراف المتظاهرين لهدنة حقيقية، مع عودة الشرطة للحماية وضمان الاستقرار.
ثالثاً: على القضاء المصرى أن يقوم بنشر الصورة الكاملة من خلال النشر الإعلامى الواضح والدقيق لما هو قانونى لحالات التظاهر والاعتصام السلميين، وعلى الأمن والجيش أن يتبعا هذه القوانين ويطبقاها بحزم، ليقوم القضاء فى أسرع وقت بمحاكمة عادلة لكل من ارتكب أخطاء، سواء من قوات الأمن أو المواطنين.
رابعاً: مع احترامى لقرار بعض أعضاء المجلس الاستشارى بالاستقالة أو الانسحاب، إلا أن هذه الظروف هى بذاتها التى تتطلب من بقية أعضاء المجلس القيام بمهامهم، وتحمل المسؤولية من خلال التواصل بين المجلس العسكرى والشعب، ووضع خطة واضحة المعالم ومحددة زمنياً لإعطاء الحكومة الفرصة للوصول إلى حل المشكلات الأساسية للأمن والاقتصاد، وحيث إنها تمتد لشهور قليلة، فهذا من السهل تحقيقه، خدمةً للوطن.
خامساً: على الإعلام أجمع أن يتحمل المسؤولية الوطنية، وأن يكون إعلام للمعلومة الحقيقية وليس التحريض، فالمصلحة العامة تقتضى الترابط الجمعى للخروج بالبلاد إلى طريق النور. وفى تقديرى، يجب على النقابات المعنية أن تقوم بدورها الوطنى للحث على احترام هذا الظرف التاريخى.
سادساً: التركيز فى المرحلة المقبلة على وضع دستور مبنى على العدالة الاجتماعية وحق المواطنة وحقوق المرأة والتغيير للديمقراطية الحقيقية.
■ الشعب العظيم: بعد ٥٠ عاماً من الآن سوف يسأل التاريخ: ماذا فعل المصريون لمصر؟ وماذا قدموا للذين استشهدوا من أجل مصر؟
نتمنى من الله العلى القدير أن يوفقنا جميعاً لتكون الإجابة، هى أن شعب مصر العظيم قد أذهل العالم وقاد مسيرة الديمقراطية فى العالم العربى.
والسلام عليكم
د. أحمد زويل